للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام كله، هذا كله فى اعتبار المؤاخاة اللفظية، وأما المؤاخاة المعنوية فهى واردة فى القرآن كثيرا، وهذا إنما يكون فى فواصل الآى، فإنها تأتى مطابقة على ما سبق من معنى الآية ومثاله قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣)

[الحج: ٦٣] وكقوله تعالى: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤)

[الحج: ٦٤] وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥)

[الحج: ٦٥] فالآية الأولى إنما فصلها بقوله: لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣)

لما فيه من المطابقة لمعناها، لأنه ضمّنها ذكر الرحمة للخلق بإنزال الغيث لما فيه من المعاش لهم ولأنعامهم، فكان لطيفا بهم خبيرا بمقادير مصالحهم، وأما الآية الثانية فإنما فصلها بقوله الغنى الحميد، ليطابق ما أودعه فيها، لأنه لما ذكر أنه مالك لما فى السموات والأرض لا لحاجة، قابله بقوله لهو الغنى، أى عن كل شىء لأن كل غنى لا يكون نافعا بغناه إلا إذا كان جوادا به منعما على غيره فإنه يحمده المنعم عليه، فذكر الغنى ليدل به على كونه غير مفتقر إليها، وذكر «الحميد» لما كان جوادا بها على خلقه، فلا جرم استحق الحمد من جهتهم، وأما الآية الثالثة فإنما فصلها «برؤوف رحيم» لأنه لما عدّد جلائل نعمه وكانت كلها مسخّرة مدبّرة وكانوا لولا رحمته متعرضين بصددها لمتالف عظيمة من الأهوال البحرية والآفات السماوية، فلما كانت فى أنفسها متعرضة لهذه الأمور عقبها بذكر الرأفة والرحمة لينبه على كمال لطفه وعظيم رحمته بالخلق، وهكذا القول فى سائر الفواصل القرآنية، فإنك لا تزال تطلع منها على فوائد مناسبة لتلك الفاصلة كما أشرنا إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>