للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: فى سورة المزمل قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣)

[المزمل: ٢- ٣] فقوله إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)

[المزمل: ٥] استطراد لأنه وسطه بين أوصاف الليل، وما ذكره من أحكامه، ثم رجع إلى حال الليل بعد ذكره بقوله: إِنَّا سَنُلْقِي

وهذه هى فائدة الاستطراد ومعناه. ومنه قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ

[الإسراء: ٧٨- ٧٩] فقوله: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ

من الاستطراد الرائق لأنه خرج من ذكر الليل إلى ذكر قرآن الفجر ثم عاد بعده إلى ذكر الليل، وهذه هى فائدة الاستطراد وحقيقته، ومن تأمل آى التنزيل فإنه يجد فيها شيئا كثيرا من هذه الأمثلة. فأما الخروج من قصة إلى قصة وأسلوب إلى أسلوب آخر فعليه أكثر القرآن، ومن السنة النبوية قوله صلّى الله عليه وسلّم فى رواية جابر: أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح وهو بمكة يقول: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» «١» ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قاتل الله اليهود حرّمت عليهم شحومها فباعوه وجملوه» ، فقيل يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة تطلى بها السفن، ويستصبح بها الناس، فقال: لا، هو حرام. فقوله: «قاتل الله اليهود» «٢» من باب الاستطراد لأنه قطعه عن حديث ما قبله، ثم رجع إلى حديث ما كان تركه، وهذه هى فائدة الاستطراد، وقوله عليه السلام: «لا تكونوا ممن خدعته العاجلة وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة فركن إلى دار سريعة الزوال، وشيكة الانتقال إنه لم يبق من دنياكم هذه فى جنب ما مضى إلا كإناخة راكب، أو صرّ حالب، فعلام تفرحون؟ وماذا تنتظرون؟، فكأنكم بما قد أصبحتم فيه من الدنيا كأن لم يكن، وبما تصيرون إليه من الآخرة لم يزل» فقوله: «فعلام تفرحون؟ وماذا تنتظرون؟» من الاستطراد، الذى أناف على الغاية فى الرشاقة والحسن وزاد، لأن ما قبله وما بعده ذكر الدنيا بما فيها من النفاد والزوال ولكنه وسطه على جهة الاستطراد، ثم رجع إلى ما شرع فيه من ذم الدنيا والإخبار عن نفادها وغرورها وزوالها.

ومن كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه فى الاستطراد فى بعض أيام صفّين: «معاشر المسلمين استشعروا الخشية وتجلببوا السكينة وعضّوا على النواجذ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأكملوا اللأمة، وقلقلوا السيوف فى أغمادها قبل سلها، والحظوا الخزر واطعنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>