للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيها: أنه لا فائدة فى العدول إلى المجاز مع إمكان الحقيقة، فالعدول إليه يكون عبثا لا حاجة إليه.

وثالثها: هو أن المجاز لا ينبىء عن معناه بنفسه، فورود القرآن به يؤدّى إلى أن لا يعرف مراد الله فيفضى إلى الإلباس وهو منّزه عنه.

ورابعها: أن كلام الله تعالى كله حقّ وصواب، وكلّ حقّ فله حقيقة، وكلّ ما كان حقيقة فلا يدخله المجاز، وهذا هو المطلوب.

«والجواب» أنا قد أوضحنا بالبرهان العقلّى جوازه وأوردنا من الأمثلة فى وقوعه فى خطاب الله تعالى ما لا مدفع له إلا بالمكابرة والإنكار والمنكارة.

قوله أولا: إنه يؤدّى إلى وصفه بأنه متجوّز مستعير، قلنا: هذا فاسد لأمرين، أما أولا: فلأن إجراء الأوصاف الإلهية موردة بالشرع، فما أذن فيه أطلقناه، وما سكت عنه توقّفنا فى حاله، وأما ثانيا: فلعلّ هذه الأوصاف توهم الخطأ مع صحة إجرائها عليه فلا جرم توقفنا فى إطلاقها.

وأما قوله ثانيا: إنه لا فائدة فى العدول عن الحقيقة، فقد قرّرنا فيما سلف الباعث على التكلم بالمجاز. وذكرنا هناك أغراضا حكمية تبعث عليه.

وأمّا قوله ثالثا: إنّ المجاز يؤدى إلى اللبس، قلنا: إنه لا لبس مع وجود القرينة، والمجازات لا تنفكّ عن القرائن الحالية والمقالية، كما سنذكر من بعد هذا بمعونة الله.

وأما قوله رابعا: إن كلام الله تعالى حق، قلنا إن كلام الله حقّ على معنى أنه صدق لا يجوز فيه كذب، لا من أجل كون ألفاظه مستعملة فى موضوعاتها الأصلية، فأين أحدهما من الآخر، وفيه وقع النزاع فبطل ما قالوه.

[الحكم الرابع فى كيفية استعمال المجازات]

اعلم أن المجازات اللغوية المفردة يجب إقرارها حيث وردت، ولا يجوز تعدّيها إلّا بتوقيف وإذن من جهة اللغة. وقد زعم فريق أنه يجوز تعدّيها عن أماكنها التى وردت فيها إلى غيرها.

والحجّة على ما قلناه هو أن المجازات واردة على خلاف الأصل والاستعمال، فيجب قصرها على الأماكن التى وردت فيها من غير تعدية.

ولنضرب فى ذلك أمثلة، المثال الأول فى مجاز النقصان كقوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ

[يوسف: ٨٢] «واسأل العير» ، وقولهم «سل الرّبع» ، فهذه الأمور يجب قصر النقصان فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>