للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المجرى الأول وهو التنصيص]

وذلك يكون من أوجه خمسة «أولها» أن يصرّح الواضع فيقول: هذا حقيقة، وهذا مجاز، من غير إشارة إلى أمر وراء تصريحه فهذه تفرقة ليس بعدها فى الوضوح شىء ويجب قبولها لأنه كما قبل فى أصل وضعه قبل فى التفرقة لا محالة.

«وثانيها» أن يميز كل واحد من الحقيقة والمجاز بحدّ يخصّه لأن الحدود إنما توضع من أجل معرفة الماهيات والتفرقة بينها فإذا وضع لكل واحد منهما حدّ على الخصوص حصلت التفرقة بلا مرية.

«وثالثها» أن يذكر لكل واحد منهما خاصّة تخصّه، لأن الخاصة هى تلو الحد فى بيان الماهية خلا أن التفرقة بين الحدّ والخاصّة هو أنّ من شأن الحدّ أن يكون مندرجا تحته جميع الصّور المفردة من المحدود، بخلاف الخاصّة، فإن الخاصّة إنما تكون متناولة لبعض الصّور المفردة دون بعض، ألا ترى أن حدّ الاسم ما دلّ على معنى فى نفسه دلالة مجرّدة عن الاقتران بالأزمنة الخاصة، فهذا يندرج تحته كل الأسماء لا يخرج عنها صورة واحدة، والخاصة فى الاسم إنما هو دخول التنوين، واللام، والإضافة، وغيرها، وهذا إنما يخصّ بعض الأسماء دون بعض.

«ورابعها» : أن ينص واضع اللغة فى بعض الألفاظ على أنى متى استعملت هذه اللفظة فى هذا المحل فهى حقيقة، ومتى استعملتها فى محلّ آخر فهي مجاز، ومثاله أن البلق مجموع السواد والبياض، فيقول مثلا متى استعمل فى الخيل فهو حقيقة ومتى كان مستعملا فى غيرها فهو مجاز فهذا ظاهر يجب قبوله.

«وخامسها» : أن ينصّ واضع اللغة بأن يقول متى استعملت هذه اللفظة مطلقة فهى حقيقة، ومتى استعملتها مقيّدة فهى مجاز، فيجب الاحتكام لقوله فيما ذكرناه، ولا يجوز مخالفته لأنهم الواضعون لألفاظ اللغة فلهم التحكّم فيها كيف شاءوا.

[المجرى الثانى الاستدلال]

وذلك أن ندرك من الكلام ما يوقفنا على أمور تشعرنا بالتفرقة بينهما، وذلك من أوجه أربعة:

«أولها» : أن تستعمل فى معنيين، أحدهما يكون سابقا إلى الفهم عند إطلاق اللفظ من غير قرينة، والآخر لا يفهم عند الإطلاق إلا بقرينة، فيعلم أنها حقيقة فى السابق دون

<<  <  ج: ص:  >  >>