للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصنف الثلاثون فى التلميح]

وهو نوع من أنواع البديع، له فى البلاغة موقع شريف، ويحل من الفصاحة فى محل مرتفع منيف، وهو «تفعيل» بتقديم اللام على الميم: يقال لمحه وألمحه، إذا أبصره بنظر خفى، ولمح البرق إذا أضاء ولمع، وفى فلان من أبيه لمحة، أى شبه وفيه ملامح من أبيه، أى مشابهات، وجمعها ملامح على غير قياس، والقياس فيه لمحات، هذا هو معناه اللغوى، وفى مصطلح علماء البيان هو أن يشير المتكلم فى أثناء كلامه ومعاطف شعره أو خطبه إلى مثل سائر، أو شعر نادر، أو قصة مشهورة فيلمحها فيوردها لتكون علامة فى كلامه، وكالشامة فى نظامه، فيحصل الكلام من أجل ذلك على لطافة رشيقة، وبراعة رائقة، وقد وقع ذلك فى كلام الله تعالى:

كقوله: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ

[العنكبوت: ٤١] يشير بذلك إلى المثل السائر: أرقّ من نسج العنكبوت، وأضعف من بيتها، وكقوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً

[الجمعة: ٥] يشير به إلى قولهم فى الأمثال السائرة: أجهل من حمار، وأبلد من عير، وقوله تعالى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤)

[القارعة: ٤] يشير إلى قولهم: أعظم تهورا من فراشة، وقوله تعالى:

فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ

[الأعراف: ١٧٦] يشير به إلى قولهم: فلان ألهث من كلب، وأما أمثلته من السنة النبوية فكقوله عليه السلام: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شىء ما خلا الله باطل» «١» ، وقوله عليه السلام: «بئس مطية الرجل زعموا» «٢» ، وفى حديث آخر: «مطية الكذب زعموا» ، وأراد بما ذكره عليه السلام من يكون أكثر كلامه: زعم زعم، فلا يزال يكرر فى أثناء خطابه هذه اللفظة ويرددها على لسانه، والمعنى فيها بئس ما يكرره الإنسان فى كلامه ويستروح إليه، هذه اللفظة، لما فيها من التوهم والظن، ولهذا فإنها ما وردت فى كلام الله تعالى إلا من جهة الكفار والمكذبين بأمر الآخرة وحال المعاد الأخروى، كقوله تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ «٣» أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً

[الفتح: ١٢] وقوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ

[التغابن: ٧] فقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>