للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيراد المهم منها، فهى كفاية وبالله التوفيق، ثم إنه يأتى على أوجه ثلاثة، الوجه الأول أن تكون السرقة مقصورة على المعنى لا غير، من غير إيراد لفظ ما سرق منه، وهذا من أدق السرقات مسلكا وأحسنها صورة، وأعجبها مساقا، ومثاله قول بعض أهل الحماسة:

لقد زادنى حبا لنفسى أنّنى ... بغيض إلى كلّ امرىء غير طائل «١»

فقد أخذ المتنبى هذا المعنى واستخرج منه ما يشبهه من جهة معناه، ولم يورد شيئا من ألفاظه ولكنه عول فيه على المعنى وقصره عليه:

وإذا أتتك مذمّتى من ناقص ... فهى الشهادة لى بأنّى كامل «٢»

فمن كثر عراكه للأشعار، وممارسته لها فإنه لا يغرب عن فهمه أن ما ذكره المتنبى مأخوذ معناه من بيت الحماسة، فصاحب الحماسة يقول إن نقص الدنىء إياى مما يزيد نفسى حبا عندى لكون الذى نقصها لا فضل له، فيعرف فضلى، والمتنبى يقول إنّ ذم الناقص إياى شاهد بفضلى، فذم الناقص له مثل نقص الذى هو غير طائل فهما متفقان من جهة المعنى.

الوجه الثانى: أن تكون السرقة بأخذ المعنى وشىء يسير من اللفظ، فمن ذلك ما قاله حسان بن ثابت يصف الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويمدحه:

ما إن مدحت محمّدا بمقالتى ... لكن مدحت مقالتى بمحمّد «٣»

فأخذه أبو تمام فأكمل معناه، واسترق شيئا من لفظه على القلة قال:

ولم أمدحك تفخيما لشعرى ... ولكنّى مدحت بك المديحا «٤»

فانظر إلى تكريرهما لفظ المدح فى البيتين من غير زيادة، وكذلك قول ابن الرومى:

وما لى عزاء عن شبابى علمته ... سوى أنّنى من بعده لا أخلّد

استرقه من بيت لمنصور النمرى قال فيه:

قد كدت أقضى على فوت الشباب أسى ... لولا تعزّىّ أنّ العيش منقطع

وهكذا قول أبى تمام يمدح رجلا بالجود والسخاء والكرم:

وإذا المجد كان عونى على المر ... ء تقاضيته بترك التقاضى

استرقه منه ابن الرومى بأحسن استراق فى أخذ معناه قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>