للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تارة ساكنة الوسط، لأنها إذا كانت كلها متحركة كانت ثقيلة على اللسان بعض الثقل، فيحصل من أجله صعوبة فى النطق، وإن تحرك وسطها كان تحركه بالفتح أخف من تحركه بالضم والكسر، لما فيهما من مزيد الثقل الحاصل بالحركة، فلابد من مراعاة ما ذكرناه لتحصل الفصاحة فى الألفاظ، وإذا تأملت كتاب الله تعالى: وجدته على ما ذكرناه من اعتبار هذه الشرائط فيه كلها.

[الوجه الثالث فى بيان ما يكون راجعا إلى مفردات الألفاظ،]

وقد زعم بعض الخائضين فى هذه الصناعة أنه لا قبح فى الألفاظ، فإن مستندها هو الوضع، والواضع لا يضع إلا ما كان حسنا، وهذا فاسد، فإن فيها الخفيف، والثقيل، والشاذ، والمستعمل، من جهة وضعها، فأحوالها متباينة كما ترى، ولهذا فإن الخمر أحسن من قولنا: زرجون، وأسد، أحسن من قولنا: غضنفر، والغضنفر أحسن من قولنا: فدوكس، وهرماس، وسيف أحسن من قولنا: خنشليل، فإذا تقرر ما قلناه فلا بد من مراعاة محاسن الألفاظ فى كون اللفظ فصيحا، وذلك يكون بمراعاة أمور ثلاثة، أما أولا: فلابد من اعتبار كونها عربية، فلا تكون معربة، فارسية، ولا رومية، ولا حبشية، ولا سندية، لأنها إذا كانت خالصة كانت أدخل فى فصاحة اللفظ، وأما ثانيا: فأن تكون مألوفة مستعملة، ولا تكون شاذة نادرة، فما هذا حاله من الألفاظ لا يعد فصيحا، ولا يكون جاريا فى أساليب الفصاحة، وأما ثالثا: فأن تكون خفيفة على السماع طيبة الذوق فى تأليفها، ولا تكون وحشية غريبة، وقد زعم بعضهم أن الكلام إنما يكون فصيحا إذا كان فيه عنجهانيّة وبعد عن الأفهام، وهذا فاسد، فما هذا حاله عند النّظار لا يكون معدودا فى الفصاحة، وإنما الفصيح ما كان معتادا مألوفا يفهمه كل أحد من الناس، فحصل من هذا أن كلام الله حائز لهذه الخصال متميز بها عن سائر الكلام فى جميع ألفاظه لا يوجد فيه شىء من هذه العاهات التى ذكرناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>