للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْلَعِي

ولم يقل «ابتلعى» لأمرين، أما أولا فلأن ابْلَعِي

أخف وزنا وأسهل على اللسان من «ابتعلى» وأما ثانيا فلأن فى الابتلاع نوع اعتمال فى الفعل وتصرف فيه يؤذن بالمشقة، بخلاف قوله: ابْلَعِي

فإنه دال على السهولة، فيكون فيه دلالة على باهر القدرة، حيث أمرت بالبلع لهذا الأمر الهائل من الماء بحيث لا يمكن تصوره على أسهل حالة، وإنما اختير إفراد الماء دون جمعه لأمرين، أما أولا فلأن فى الجمع نوع تكثير، فلا يليق ذكره بمقام الكبرياء وإظهار العظمة، وأما ثانيا: فلأن فى الإفراد نوع تحقير وذلة، وهو لائق بمقام القهر والاستيلاء فى الملكة، وهذا هو الوجه فى إفراد السماء والأرض، وإنما ذكر مفعول: ابْلَعِي

لأنه لو اقتصر على ذكر البلع لدخل فيه ما ليس مرادا من بلع الجبال والبحار، وأنواع الأشجار والسفينة ومن فيها، نظرا إلى عموم الأمر الذى لا يخالف ولا يرد عن مجراه، لأن المقام مقام عظمة وكبريآء، وقول ابن عباس فى قوله تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩)

[الأنبياء: ٦٩] إنه لو لم يقل «وسلاما» لم ينتفع بالنار، لشدة بردها، يشير به إلى ما ذكرناه من مضاء الأمر ونفوذه، وإنما لم يظهر ذكر المسبب عند ذكر سببه، فيقول يا أَرْضُ ابْلَعِي

فبلعت، وياسماء أقلعى فأقلعت، لأمرين أما أولا:

فلما فى ذلك من الاختصار العجيب، والإيجاز البليغ، فاكتفى بذكر السبب عن ذكر مسببه، وهذا كثير فى القرآن كقوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ

[البقرة: ٦٠] لأن المعنى فضرب فانفجرت، وأما ثانيا: فلما فيه من الإشارة إلى باهر القدرة فى سرعة الإجابة، ووقوع الامتثال، وحصول الأمور: من غير مخالفة هناك، فترك ذكره اتكالا على ما ذكرناه، وأنه كائن لا محالة لا يمكن تأخره، واختير بناء وَغِيضَ

لما لم يسم فاعله على «غيّض» بتشديد الياء مبنيّا للفاعل لأمرين، أما أولا: فمن أجل الإيجاز، لطرح الفاعل، والاختصار فيه، وأما ثانيا: فمن أجل الاستحقار عن تعريض ذكر الله تعالى على أحقر المقدورات بالإضافة إلى جلاله، والمقام مقام الكبرياء والعظمة، وإنما اختير لفظ «الماء» ولم يقل الطوفان، ولا المطر، إيثارا للاختصار، ولما فيه من الإشارة باللام التى للعهد، كأنه قال: وغيض الماء الذى أمرنا الأرض والسماء بإيقاعه، بيانا لحاله وإيضاحا

<<  <  ج: ص:  >  >>