للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجهة الخامسة من الاعتراض والطعن من جهة الصدق]

وحاصل هذه الجهة أن القرآن إنما يراد لكونه حجة مقطوعا به، وذلك لا يحصل إلا مع القطع بكونه صدقا، والعلم بصدقه متوقف على العلم بأن الله تعالى صادق فى خبره، لأنا لو جوزنا على الله الكذب لم نقطع بصدق القرآن، فإذن لابد من الدلالة على صدق الله تعالى ليحصل العلم بصدق القرآن، وأنتم لم تفرغوا من بيان هذه القاعدة، وهى من أهم القواعد على صدق القرآن وكونه حجة على الأحكام الشرعية والأسرار الدينية وصحة ما تضمنه من العلوم.

والجواب عما أوردوه أن الذى يدل على صدق الله تعالى عندنا هو ما تقرر من قواعد الحكمة، وحاصلها أن الله تعالى حكيم لا يجوز عليه الكذب، لأنه قد فقد داعيه إلى فعل الكذب، وهو الجهل والحاجة، وخلص صارفه عنه، وهو كونه عالما بقبحه، فيجب على هذا أن لا يفعله الله تعالى كما نقوله فى سائر الأمور القبيحة، فإن عمدتنا فى أن الله تعالى لا يفعلها، هو ما ذكرناه من تقرير قاعدة الحكمة، وهذا هو الأصل فى تنزيهه عن كل قبيح وعن الإخلال بكل واجب، فأما الأشعرية فلهم على أن الله صادق مسلكان:

المسلك الأول منهما أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخبر عن كونه صادقا «١» ، فيجب القضاء بصدقه، وأخبر عن كون الكذب ممتنعا على الله تعالى،

وما ذكروه فاسد جدا لا يليق ذكره بأهل الفطانة ولولا أن ابن الخطيب أورده لما أوردناه، لما اشتمل عليه من الضعف والركة، وبيانه أن صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم متوقف على دلالة المعجز على صدقه، والمعجز قائم مقام التصديق بالقول، فإذن صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم مستفاد من تصديق الله، وتصديق الله إياه إنما يدل على صدقه، لو ثبت كونه تعالى صادقا، إذ لو جاز عليه الكذب لم يلزم من تصديقه تعالى أن يكون صادقا كما لا يلزم من تصديق الواحد منا غيره كون ذلك الغير صادقا، لأجل جواز الكذب علينا، فإذن العلم بصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم موقوف على العلم بصدق الله تعالى، فلو وقف العلم بصدق الله على العلم بصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم لزم الدور، وأنه محال لما ذكرناه.

[المسلك الثانى هو أن كلام الله تعالى قائم بنفسه،]

ويستحيل الكذب فى الكلام النفسى، لأنه يقوم

<<  <  ج: ص:  >  >>