للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقدم، أى مذللات لهذه المنافع، على قانون الحكمة، وعلى وفق ما قدر فيها من المصالح بِأَمْرِهِ

فيه وجهان، أحدهما: أن تكون الباء فيه للإلصاق، ومعناه أن التسخير والإذلال ملتصقان بالأمر، كما تقول: كتبت بالقلم، وثانيهما: أن تكون الباء للحال، وعلى هذا يكون معناه ملتبسات بالأمر فى كل الأحوال لا يخرجن عنه ساعة واحدة، ولا يملن عن الانقياد طرفة عين، وإنما قال: بِأَمْرِهِ

ولم يقل: بقدرته، مع تحقق الحاجة إلى القدرة أكثر من الحاجة إلى الأمر، لأنه لما ذكر التسخير وفيه معنى الطاعة والانقياد، عقبه بذكر الأمر، لما كانت الطاعة من لوازم الأمر وأحكامه.

[سؤال]

لم خص معاقبة الليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم، من بين سائر المكونات بالذكر مع اختصاصها بالحكمة والإتقان العجيب؟

وجوابه هو أنه لما صرح بلفظ السماء والأرض، وأبهم الأمر فى خلق ما وراءهما بقوله:

وَما بَيْنَهُما

أراد إيضاحه وبيانه، فخص هذه أعنى تعاقب الليل والنهار وهذه الكواكب بالذكر، إيضاحا لما أبهمه من قبل فى ذلك.

[التنبيه السادس]

قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ

لما ذكر هذه المخلوقات العظيمة، وعدد من المكونات الباهرة، عقبها بحرف التنبيه، إيقاظا وحثا على النظر، وإعلاما بأنها ملك له يتصرف فيها كيف شاء، من الحل والعقد، والزيادة والنقصان، وغير ذلك من سائر التصرفات والتغيرات، وقوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ

فيه وجهان أحدهما أن تكون اللام فيهما للعهدية، فالخلق إشارة إلى ما سبق من أنواع المخلوقات كلها، والأمر، إشارة إلى قوله مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ

فكأنه قال: يملك جميع ما سبق من هذه الأشياء كلها.

وثانيهما: أن تكون اللام فيهما للجنسية، وعلى هذا يكون المعنى أنه يملك جميع المخلوقات والأوامر كلها، فكأنه قال: يملك القول والفعل ويجرى ذلك مجرى المثل، كما يقال فلان يملك الأمر والنهى، والحل والعقد، والقبول والرد، والإبرام والنقض، يريد أنه لا تصرف لأحد سواه، ولا حكم لغيره بحال، فلما عدد أصناف المخلوقات كلها

<<  <  ج: ص:  >  >>