للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على معاوية حقّارا له، فبلغه عنه بعض ما غمّه؛ فقال معاوية: رحم الله أبا سفيان والعباس، كانا صفيّين دون الناس، فحفظت الميت في الحي والحيّ في الميّت؛ استعملك عليّ يا ابن عباس على البصرة، واستعمل أخاك عبيد الله على اليمن، واستعمل أخاك تمّاما على المدينة؛ فلما كان من الأمر ما كان، هنأتكم ما في أيديكم، ولم أكشفكم عما وعت غرائركم، وقلت: آخذ اليوم وأعطي غدا مثله.

وعلمت أن بدء اللؤم يضر بعاقبة الكرم، ولو شئت لأخذت بحلاقيمكم وقيّأتكم ما أكلتم. ولا يزال يبلغني عنكم ما تبرك له الإبل، وذنوبكم إلينا أكثر من ذنوبنا إليكم: خذلتم عثمان بالمدينة، وقتلتم أنصاره يوم الجمل، وحاربتموني بصفين، ولعمري لبنو تيم وعدي أعظم ذنوبا منا إليكم؛ إذ صرفوا عنكم هذا الأمر، وسنوا فيكم هذه السنة؛ فحتى متى أغضي الجفون على القذى، وأسحب الذيول على الأذى، وأقول: لعل الله وعسى ... ما تقول يا ابن عباس؟!.

قال: فتكلم ابن عباس فقال: رحم الله أبانا وأباك، كانا صفيين متفاوضين «١» ؛ لم يكن لأبي من مال إلا ما فضل أباك، وكان أبوك كذلك لأبي؛ ولكن من هنّأ أباك بإخاء أبي أكثر ممن هنأ أبي بإخاء أبيك؛ نصر أبي أباك في الجاهلية، وحقن دمه في الإسلام، وأما استعمال عليّ إيانا فلنفسه دون هواه وقد استعملت أنت رجالا لهواك لا لنفسك، منهم ابن الحضرميّ على البصرة فقتل، وابن بشر بن أرطاة على اليمن فخان، وحبيب بن مرة على الحجاز فردّ، والضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحصب؛ ولو طلبت ما عندنا وقينا أعراضنا، وليس الذي يبلغك عنا بأعظم من الذي يبلغنا عنك، ولو وضع أصغر ذنوبكم إلينا على مائة حسنة لمحقها، ولو وضع أدنى عذرنا إليكم على مائة سيئة لحسّنها. وأما خذلنا عثمان فلو لزمنا نصره لنصرناه، وأما قتلنا أنصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه وأما حربنا إياك بصفين فعلى تركك الحقّ وادعائك الباطل، وأما إغراؤك إيانا بتيم وعدي فلو أردناها ما غلبونا عليها.