للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمان وعشرين سنة. وتوفي في عشرة من جمادي الأولى سنة اثنتين وسبعين ومائة، فكان ملكه اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر، وكان يقال له صقر قريش، وذلك أنّ أبا جعفر المنصور قال لأصحابه: أخبروني عن صقر قريش من هو؟ قالوا: أمير المؤمنين الذي راض الملك، وسكّن الزلازل، وحسم الأدواء، وأباد الأعداء. قال: ما صنعتم شيئا. قالوا: فمعاوية. قال: ولا هذا. قالوا: فعبد الملك بن مروان. قال: ولا هذا. قالوا: فمن يا أمير المؤمنين؟ قال: عبد الرحمن بن معاوية، الذي عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلدا أعجميا مفردا. فمصّر الأمصار، وجند الأجناد، ودوّن الدواوين، وأقام ملكا بعد انقطاعه، بحسن تدبيره، وشدّة شكيمته «١» ، إنّ معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذللا له صعبه، وعبد الملك ببيعة تقدّم له عقدها، وأمير المؤمنين بطلب عشيرته واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد برأيه، مستصحب لعزمه.

وقالوا لما توطد ملك عبد الرحمن بن معاوية عمل هذه الأبيات وأخرجها إلى وزرائه فاستغربت من قوله إذ صدقها فعله، وهي:

ما حقّ من قام ذا امتعاض ... منتضي الشّفرتين نصلا

فبزّ ملكا وساد عزّا ... ومنبرا للخطاب فصلا «٢»

فجاز قفرا وشقّ بحرا ... مساميا لجّة ومحلا «٣»

وجنّد الجند حين أودى ... ومصّر المصر حين أجلى «٤»

ثم دعا أهله جميعا ... حيث انتأوا أن هلمّ أهلا «٥»

فجاء هذا طريد جوع ... شريد سيف أبيد قتلا

فحلّ أمنا ونال شبعا ... وحاز مالا وضمّ شملا

ألم يكن حقّ ذا على ذا ... أوجب من منعم ومولى؟