للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشدّ لاجتهاد الناس! قال: والله إني لأبغض الخلاف عليكم، ولكن يأتي مفروق فينظر فيما قلتم. فلما جاء مفروق شاوره أبوه- وذلك أول يوم ذكر فيه مفروق بن عمرو- فقال له مفروق: ليس هذا أرادوا، وإنما أرادوا أن يخدعوك عن رأيك وحسدوك على رياستك، والله لئن لقيت القوم فظفرت لا يزال الفضل لنا بذلك أبدا، ولئن ظفر بك لا تزال لنا رياسة نعرف بها! فقال الأصم: يا قوم، قد استشرت مفروقا فرأيته مخالفا لكم، ولست مخالفا رأيه وما أشار إليه. فأقبلت تميم بجملين مجللين مقرونين مقيدين، وقالوا: لا نولّي حتى يولي هذان الجملان، وهما الزويران. فأخبرت بكر بقولهم الأصمّ، فقال: وأنا زويركم، إن حشّوهما فحشّوني «١» ، وإن عقروهما فاعقروني! قال: والتقى القوم، فاقتتلوا قتالا شديدا.

قال: وأسرت القوم بنو تميم، حرّاث بن مالك أخا مرة بن همام، فركض به رجل منهم وقد أردفه، واتبعه ابنه قتادة بن حراث، حتى لحق الفارس الذي أسر أباه، فطعنه فأراده عن فرسه، واستنقذ أباه، ثم استحرّ بين الفريقين القتال، فانهزمت بنو تميم، فقتل منهم مقتلة عظيمة. فممن قتل منهم: أبو الرئيس النهشلي. وأخذت بكر الزويرين، أخذتهما بنو سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، فنحروا أحدهما فأكلوه وافتحلوا الآخر، وكان نجيبا، فقال رجل من بني سدوس:

يا سلم إن تسألي عنّا فلا كشف ... عند اللّقاء ولسنا بالمقاريف

نحن الذين هزمنا يوم صبّحنا ... جيش الزّويرين في جمع الأحاليف

ظلّوا وظللنا نكر الخيل وسطهم ... بالشّيب منّا وبالمرد الغطاريف «٢»

وقال الأغلب بن جشم العجلي:

جاءوا بزويرهم وجئنا بالأصمّ ... شيخ لنا قد كان من عهد إرم

يكرّ بالّسيف إذا الرمح انحطم ... كهمّة الليث إذا ما الليث همّ