للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم نهض وهو يقول: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ

» .

فلما بلغ ابن جعفر ذلك أعدّ له طعاما ودعاه إلى منزله، وأحضر ابن صيّاد المغني، ثم تقدم إليه يقول: إذا رأيت معاوية واضعا يده في الطعام فحرّك أو تارك وغنّ. فلما وضع معاوية يده في الطعام حرّك ابن صياد أوتاره وغنى بشعر عدي بن زيد وكان معاوية يعجب به.

يا لبينى أوقدي النارا ... إنّ من تهوين قد حارا

ربّ نار بتّ أرمقها ... تقضم الهنديّ والغارا

ولها ظبي يؤجّجها ... عاقد في الخصر زنارا «٢» .

قال فأعجب معاوية غناؤه، حتى قبض يده عن الطعام، وجعل يضرب برجله الأرض طربا؛ فقال له عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين؛ إنما هو مختار الشعر يركّب عليه مختار الألحان، فهل ترى به بأسا؟ قال: لا بأس بحكمة الشعر مع حكمة الألحان.

قال: وقدم عبد الله بن جعفر على معاوية بالشام، فأنزله في دار عياله، وأظهر من إكرامه وبرّه ما كان يستحقه؛ فغاظ ذلك فاختة بنت قرظة زوجة معاوية؛ فسمعت ذات ليلة غناء عند عبد الله بن جعفر، فجاءت إلى معاوية فقالت: هلم فاسمع ما في منزل هذا الذي جعلته بين لحمك ودمك، وأنزلته في حرمك! فجاء معاوية فسمع شيئا حرّكه وأطربه، فقال: والله إنّي لأسمع شيئا تكاد الجبال تخرّ له، وما أظنّه إلا من تلقية الجن! ثم انصرف، فلما كان من آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله وهو قائم يصلي، فأنبه فاختة، وقال لها: اسمعي مكان ما أسمعتني، هؤلاء قومي: ملوك بالنهار، رهبان بالليل! ثم إن معاوية أرق ذات ليلة، فقال لخادمه حديج: اذهب فانظر من عند عبد الله، وأخبره بخروجي إليه. فذهب فأخبره، فأقام كلّ من كان عنده؛ ثم جاء معاوية، فلم