للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجهه؛ فقيل له: ويحك! ما كانت قصتك؟ قال: ارتفع والله من رجلي شيء حارّ، وهبط من رأسي شيء بارد، فالتقيا وتصادما؛ فوقعت لا أدري ما كانت حالي.

[أخبار عنان وغيرها من القيان]

حدّث محمد بن زكريا الغلابي بالبصرة قال: حدثنا ابراهيم بن عمر قال: كان الرشيد قد استعرض عنان جارية الناطفي ليشتريها، وقال لها: أنا والله أحبّك! ثم أمسك عن شرائها؛ فجلس ليلة مع سمّاره، فغناه بعض من حضر من المغنين بأبيات جرير حيث يقول:

إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا «١»

قال: فطرب الرشيد لها طربا شديدا، وأعجب بالابيات، وقال لجلسائه: هل منكم أحد يجيز هذه الابيات بمثلهنّ، وله هذه البدرة؟ - وبين يديه بدرة من دنانير- قال:

فلم يصنعوا شيئا؛ فقال خادم على رأسه: أنا لك بها يا أمير المؤمنين. قال: شأنك.

فاحتمل البدرة؛ ثم أتى الناطفيّ فقال له: استأذن لي على عنان. فأذنت له، فدخل وأخبرها الخبر؛ فقالت: ويحك! وما الابيات؟ فأنشدها إياها، فقالت له: اكتب:

هيّجت بالقول الذي قد قلته ... داء بقلبي ما يزال كمينا

قد أينعت ثمراته في طينها ... وسقين من ماء الهوى فروينا

كذب الذين تقوّلوا يا سيدي ... إنّ القلوب إذا هوين هوينا

فقالت له: دونك الابيات. فدفع إليها البدرة ورجع إلى هارون، فقال: ويحك! من قالها؟ قال: عنان جارية الناطفي. فقال: خلعت الخلافة من عنقي إن باتت إلا عندي! قال: فبعث إلى مولاها فاشتراها منه بثلاثين ألفا، وباتت بقية تلك الليلة عنده! وقال الاصمعي: ما رأيت الرشيد مبتذّلا قط إلا مرة، كتبت إليه عنان جارية الناطفى رقعة فيها: