للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: ألا ترى النصف الأوّل كيف استأذن على القلب فلم يأذن له، والنصف الثاني استأذن على القلب فأذن له؟ قلت: وماذا؟ قال: مثل قول الشاعر:

ندمت على ما كان منذ فقدتني ... كما ندم المغبون حين يبيع

قال: ألا تستطيب قوله «فقدتني» بالله يا ابن إدريس؟ قلت: بلى. فضرب بيده على فخذي وقال: قم يثبت الله لك قرنك! وابن إدريس يومئذ ابن ثمانين سنة.

وحكي عنه ابن إدريس قال: مررت به في مربعة كندة، وهو جالس على رماد وبيده قطعة من جص وهو يخبط بها في الرماد؛ فقلت له: ما تصنع ههنا يا ابن أبي مالك؟ قال: ما كان يصنع صاحبنا. قلت: ومن صاحبك؟ قال: مجنون بني عامر.

قلت: وما كان يصنع؟ قال: أما سمعته يقول:

عشيّة مالي حيلة غير أنني ... بلقط الحصى والجصّ في الدار مولع

قلت: ما سمعته! فرفع رأسه إليّ متضاحكا، فقال: ما يقول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً

«١» فأنت سمعته أو رأيته هذا كلام من كلام العرب ولا علم لك به.

قلت: يا بن أبي مالك، متى تقوم القيامة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، غير أنه من مات قامت قيامته.

قلت: فالمصلوب يعذّب عذاب القبر؟ قال: إن حقت عليه كلمة العذاب يعذب، وما يدريك لعل جسده في عذاب من عذاب الله لا تدركه أبصارنا ولا أسماعنا، فإن لله لطفا لا يدرك.

قلت: ما تقول في النبيذ حلال أم حرام؟ قال: حلال. قلت: أتشربه؟ قال إن شربته فقد شربه وكيع، وهو قدوة. قلت: أتقتدي بوكيع في تحليله ولا تقتدي بي