للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصل إلى الطفيلي وقد استوفى العدّة، فقال للموكلين: ما هذا؟ قالوا والله ما ندري، غير أنا وجدناه مع القوم، فجئنا به. فقال له المأمون: ما قصتك ويلك؟

قال: يا أمير المؤمنين، امرأته طالق إن كان يعرف من احوالهم شيئا، ولا مما يدينون الله به؛ إنما انا رجل طفيلي رأيتهم مجتمعين فظننتهم ذاهبين لدعوة! فضحك المأمون وقال: يؤدّب! وكان ابراهيم بن المهدي قائما على رأس المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي ذنبه، واحدّثك عن حديث عجيب عن نفسي. قال: قل يا ابراهيم، قال: خرجت يا أمير المؤمنين من عندك يوما؛ فطفت في سكك بغداد متطرّبا، فانتهيت إلى موضع، فشممت روائح أبازير قدور قد فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها وإلى طيب ريحها، فوقفت على خياط فقلت: لمن هذه الدار؟ قال: لرجل من التجار من البزازين. قلت: ما اسمه؟ قال: فلان ابن فلان. فنظرت إلى الدار، فإذا بشباك فيها مطلّ، فنظرت إلى كف قد خرجت من الشباك قابضة على عضد ومعصم، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكفّ والمعصم عن رائحة القدور، وبقيت باهتا ساعة؛ ثم أدركني ذهني، فقلت للخياط: أهو ممن يشرب؟ قال: نعم، وأحسب ان عنده اليوم دعوة، وليس ينادمه إلا تجار عمل مستورون. فبينا أنا كذلك إذ أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدرب، فقال الخياط: هؤلاء منادموه. فقلت: ما اسماهما وما كنا هما؟ قال: فلان وفلان. فحركت دابتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداكما، قد استبطأكما ابو غلان أعزه الله. وسايرتهما حتى بلغا الباب، فأدخلاني وقدّماني، فدخلنا؛ فلما رآني صاحب المنزل لم يشك أني منهما بسبيل، أو قادم قدمت عليهما من موضع؛ فرحّب بي، وأجلست في أفضل المواضع؛ فجيء بالمائدة وعليها خبز نظيف، وأتينا بتلك الالوان، فكان طعمها أطيب من ريحها؛ فقلت في نفسي: هذه الالوان قد أكلتها، وبقي الكف والمعصم، كيف اصل إلى صاحبتهما؟ ثم رفع الطعام، وجاءونا بوضوء، فتوضأنا وصرنا إلى بيت المنادمة، فإذا أشكل بيت يا أمير المؤمنين، وجعل صاحب المنزل يلطف بي ويميل عليّ بالحديث. وجعلوا لا يشكون أن ذلك منه على معرفة متقدمة؛ حتى إذا شربنا أقداحا، خرجت علينا جارية كأنها بان،