للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي تسمعني، فقالت:

هذا قليل لمن دهته ... بلحظها الأعين المراض

فأجبتها:

فهل لمولاي عطف قلب ... أو للّذي في الحشا انقراض؟

فأجابتني فقالت:

إن كنت تبغي الوداد منّا ... فالودّ في ديننا قراض «١»

قال دعبل: فلم أعلمني [قبلها] خاطبت جارية تقطع الأنفاس بعذوبة ألفاظها وتختلس الأرواح ببراعة منطقها، وتذهل الألباب برخيم نغمتها، مع تلاعة جيد «٢» ، ورشاقة قدّ، وكمال عقل، وبراعة شكل، واعتدال خلق؛ فحار واللَّه البصر، وذهب اللّب، وجل الخطب، وتلجلج اللسان، وتغللت الرّجلان؛ وما ظنك بالحلفاء «٣» إذا دنت من النار؟ ثم ثاب إليّ عقلي، وراجعني حلمي، فذكرت قول بشار:

لا يمنعنّك من مخدّرة ... قول تغلّظه وإن جرحا

عسر النساء إلى مياسرة ... والصّعب يمكن بعدما جمحا «٤»

هذا لمن حاول ما دون الطمع فيه اليأس منه، فكيف بمن وعد قبل المسألة، وبذل قبل الطلبة؟ فقلت مسمعا لها:

أترى الزمان يسرنّا بتلاق ... ويضم مشتاقا إلى مشتاق؟

فقالت مجيبة لي في أسرع من نفس:

ما للزّمان يقال فيه وإنما ... أنت الزمان فسرّنا بتلاق!

قال دعبل: فلحظتها ومضيت وتبعتني، وذلك في أيام إملاقي، فقلت: مالي إلا منزل مسلم صريع الغواني، فسرت إلى بابه، فاستوقفتها وناديته، فخرج: فقلت له: