للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشعر، بيضاء تغمرها صفرة، وعليها ثوب أصفر، وطاق أخضر؛ فقلن: أنشدنا يا ذا الرمّة؛ فقال: أنشدهنّ يا عصمة. فأنشدتهنّ:

نظرت إلى أظعان ميّ كأنها ... ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه

فأعربت العينان والصدر كاتم ... بمغرورق تمت عليه سواكبه

بكا وامق خاف الفراق ولم تجل ... جوائلها أسراره ومغايبه

فقالت ظريفة منهنّ: لكن الآن فلنجل. قال: فنظرت إليها مية متكرهة، ثم مضيت في القصيدة، حتى انتهيت إلى قوله:

إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح ... على القلب آبته جميعا عوازبه

فقالت [لها] الظريفة: قتلته قاتلك اللَّه! قالت مية: ما أصحه وهنيئا له! فتنفس ذو الرمّة تنفسا ظننت معه أنّ فؤاده قد انصدع؛ ومضيت فيها حتى انتهيت إلى قوله:

وقد حلفت باللَّه ميّة ما الذي ... أقول لها إلا الذي أنا كاذبه

إذا فرماني اللَّه من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه

فالتفتت إليه [ميّة] فقالت: خف عواقب اللَّه! ومضيت في القصيدة حتى انتهيت إلى قوله:

إذا راجعتك القول ميّة أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الثّوب سالبه

فيا لك من خدّ أسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلّل جادبه «١»

فقالت الظريفة: أما هذه فقد راجعتك، وقد بدا لك الوجه منها، فمن لك بأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت مية إليها فقالت: قاتلك اللَّه، ما أنكر ما تجيبين به! فتحدثن ساعة، ثم قالت الظريفة للنساء: إن لهذين شأنا، فقمن بنا [عنهما.

فقامت، وقمن معها] وقمت معهنّ: فجلست في بيت أراهما منه، فما رأيته برح من مقعده ولا قعدته؛ فسمعتها قالت له: كذبت واللَّه! ولا أدري ما قال لها.