للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلكم من الولاة ليصلون رحمي، ويعرفون حقي، وإنك وأباك منعتماني ما عند كما حتى ركبني من الدّين ما والله لو أن عبدا مجدّعا حبشيّا أعطاني بها ما أعطاني عبد ثقيف لزوّجتها؛ فإنما فديت بها رقبتي من النار. قال: فما راجعه كلمة حتى عطف عنانه، ومضى حتى دخل على عبد الملك- وكان الوليد إذا غضب عرف ذلك في وجهه- فلما رآه عبد الملك قال: مالك أبا العباس؟ قال: إنك سلّطت عبد ثقيف وملّكته ورفعته حتى تفخّذ نساء عبد مناف، وأدركته الغيرة. فكتب عبد الملك إلى الحجّاج يعزم عليه ألّا يضع كتابه من يده حتى يطلّقها ... فما قطع الحجّاج عنها رزقا ولا كرامة يجريها عليها حتى خرجت من الدنيا. قال: وما زال واصلا لعبد الله بن جعفر حتى هلك. قال بديح: فما كان يأتي علينا هلال إلا وعندنا غير مقبلة من الحجاج، عليها لطف وكسوة وميرة، حتى لحق عبد الله بن جعفر بالله.

ثم استأذن ابن جعفر على عبد الملك، فلما دخل عليه استقبله عبد الملك بالترحيب، ثم أخذ بيده فأجلسه معه على سريره، ثم سأله فألطف المسألة، حتى سألة عن مطعمه ومشربه. فلما انقضت مسألته، قال له يحيى بن الحكم: أمن خبثة كان وجهك يا أبا جعفر؟ قال: وما خبثة؟ قال: أرضك التي جئت منها. قال: سبحان الله، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسميها طيبة وتسميها خبثة؟ لقد اختلفتما في الدنيا وأظنكما في الآخرة مختلفين.

فلما خرج من عنده هيّأ له ابن جعفر هدايا وألطافا. فقلت لبديح: ما قيمة ذلك؟ قال: قيمته مائة ألف. من وصفاء ووصائف وكسوة وحرير ولطف من لطف الحجاز. قال: فبعثني بها، فدخلت عليه وليس عنده أحد. فجعلت أعرض عليه شيئا شيئا. قال: فما رأيت مثل إعظامه لكل ما عرضت عليه من ذلك، وجعل يقول كلما أريته شيئا: عافى الله أبا جعفر! وما رأيت كاليوم، وما نريد أن يتكلف لنا شيئا من هذا، وإن كنا لمتذمّمين محتشمين. قال: فخرجت من عنده وأذن لأصحابه.

والله لبينا أنا عند بن جعفر أحدّثه عن تعجب عبد الملك وإعظامه لما أهدى