للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تحدّثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا وتبت. فخطب عليّ الناس فقال: من زعم أنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب، ومن رآها ضلالا فهو أضلّ منها. فخرجت الخوارج من المسجد فحكمت، فقيل لعليّ: إنهم خارجون عليك. فقال: لا أقاتلهم حتى يقاتلوني، وسيفعلون.

فوجّه إليهم عبد الله بن العباس، فلما صار إليهم رحّبوا به وأكرموه، فرأى منهم جباها قرحت «١» لطول السجود، وأيديا كثفنات «٢» الإبل، وعليهم قمص مرحضة «٣» ، وهم مشمّرون. قالوا: ما جاء بك يا بن عباس؟ قال: جئتكم من عند صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابن عمه، وأعلمنا بربّه وسنة نبيّه، ومن عند المهاجرين والأنصار: فقالوا: إنا أتينا عظيما حين حكّمنا الرجال في دين الله؛ فإن تاب كما تبنا ونهض لمجاهدة عدوّنا رجعنا. فقال ابن عباس: نشدتكم الله إلا ما صدقتم أنفسكم، أما علمتم أن الله أمر بتحكيم الرجال في أرنب تساوي ربع درهم تصاد في الحرم، وفي شقاق رجل وامرأته؟ فقالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله هل علمتم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمسك عن القتال للهدنة بينه وبين أهل الحديبية؟ قالوا: نعم، ولكن عليّا محا نفسه من خلافة المسلمين. قال ابن عباس: ليس ذلك يزيلها عنه وقد محا رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسمه من النبوة، وقال سهيل بن عمرو: لو علمت أنك رسول الله ما حاربتك فقال للكاتب: اكتب «محمد بن عبد الله» . وقد أخذ عليّ على الحكمين ألا يجورا، وإن يجورا فعليّ أولى من معاوية وغيره. قالوا: إنّ معاوية يدّعي مثل دعوى عليّ، قال: فأيهما رأيتموه أولى فولّوه. قالوا: صدقت. قال ابن عباس: ومتى جار الحكمان فلا طاعة لهما ولا قبول لقولهما. فاتبعه منهم ألفان وبقي أربعة آلاف.

فصلى بهم صلواتهم ابن الكواء وقال: متى كانت حرب فرئيسكم شبث بن ربعيّ الرّياحي. فلم يزالوا على ذلك حتى اجتمعوا على البيعة لعبد الله بن وهب الرّاسبي،