للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنثر، فكيف الجهال الذين لم تنفحهم رائحة؟ ومن الذي يؤتيه الله فطرة ناصعة يكاد زيتها يضيء ولم لم تمسه نار حتى ينظر إلى أسرار ما يستعمله من الألفاظ فيضعها في موضعها.

ومن عجيب ذلك أنك ترى لفظتين تدلان على معنى واحد، وكلاهما حسن في الاستعمال، وهما على وزن واحد وعدة واحدة، إلا أنه لا يحسن استعمال هذه في كل موضع تستعمل فيه هذه، بل يفرق بينهما في مواضع السبك، وهذا لا يدركه إلا من دقّ فهمه وجلّ نظره.

فمن ذلك قوله تعالى: «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه»

وقوله تعالى: «رب إني نذرت لك ما في بطني محررا»

فاستعمل الجوف في الأولى والبطن في الثانية، ولم يستعمل الجوف موضع البطن، ولا البطن موضع الجوف، واللفظتان سواء في الدلالة، وهما ثلاثيتان في عدد واحد، ووزنهما واحد أيضا، فانظر إلى سبك الألفاظ كيف تفعل؟.

ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى: «ما كذب الفؤاد ما رأى»

وقوله: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»

فالقلب والفؤاد سواء في الدلالة، وإن كانا مختلفين في الوزن؛ ولم يستعمل في القرآن أحدهما في موضع الآخر.

وعلى هذا ورد قول الأعرج من أبيات الحماسة:

نحن بنو الموت إذا الموت نزل ... لا عار بالموت إذا حمّ الأجل

الموت أحلى عندنا من العسل «١»

<<  <  ج: ص:  >  >>