للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على من ذهب إلى أنّ الكلام كله حقيقة لا مجاز فيه، وأقمت الدليل على ذلك، ولا حاجة إلى إعادته ههنا، بل الذي أذكره ههنا هو ما يختص بالاستعارة التي هي جزء من المجاز، ولم سميت بهذا الاسم، وكشفت عن حقيقتها، وميزتها عن التشبيه المضمر الأداة، والكلام في هذا يحتاج إلى إعادة ذكر المجاز، وإدخاله فيه، ليتقرر ويتبين.

والذي انكشف لي بالنظر الصحيح أن المجاز ينقسم قسمين: توسع في الكلام، وتشبيه، والتشبيه ضربان: تشبيه تام، وتشبيه محذوف؛ فالتشبيه التام: أن يذكر المشبه والمشبه به والتشبيه المحذوف: أن يذكر المشبه به، ويسمى استعارة، وهذا الاسم وضع للفرق بينه وبين التشبيه التام، وإلا فكلاهما يجوز أن يطلق عليه اسم التشبيه، ويجوز أن يطلق عليه اسم الاستعارة؛ لاشتراكهما في المعنى، وأما التوسع فإنه يذكر للتّصرّف في اللغة، لا لفائدة أخرى، وإن شئت قلت: إن المجاز ينقسم إلى: توسع في الكلام، وتشبيه، واستعارة، ولا يخرج عن أحد هذه الأقسام الثلاثة، فأيها وجد كان مجازا.

فإن قيل: إن التوسع شامل لهذه الأقسام الثلاثة؛ لأن الخروج من الحقيقة إلى المجاز اتساع في الاستعمال.

قلت في الجواب: إن التوسع في التشبيه والاستعارة جاء ضمنا وتبعا، وإن لم يكن هو السبب الموجب لاستعمالهما؛ وأما القسم الآخر الذي هو لا تشبيه ولا استعارة فإن النسب في استعماله هو طلب التوسع لا غير، وبيان ذلك أنه قد ثبت أن المجاز فرع عن الحقيقة، وأن الحقيقة هي الأصل، وإنما يعدل عن الأصل إلى الفرع لسبب اقتضاه، وذلك السبب الذي يعدل فيه عن الحقيقة إلى المجاز: إما أن يكون لمشاركة بين المنقول إليه في وصف من الأوصاف، وإما أن يكون لغير مشاركة؛ فإن كان لمشاركة: فإما أن يذكر المنقول والمنقول إليه معا، وإما أن يذكر المنقول إليه دون المنقول؛ فإن ذكر المنقول والمنقول إليه معا كان ذلك تشبيها، والتشبيه تشبيهان: تشبيه مظهر الأداة؛ كقولنا: زيد كالأسد، وتشبيه مضمر الأداة،

<<  <  ج: ص:  >  >>