للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطعت إليّ الزّابيين هباته ... والتاث مأمول السّحاب السبل «١»

من منّة مشهورة وصنيعة ... بكر وإحسان أغرّ محجّل

فقوله: «منة مشهورة وصنيعة بكر وإحسان أغر محجل» تداخلت معانيه؛ إذ المنة والصنيعة والإحسان متقارب بعضه من بعض، وليس ذلك بتكرير؛ لأنه لو اقتصر على قوله منة وصنيعة وإحسان لجاز أن يكون تكريرا، ولكنه وصف كل واحدة من هذه الثلاث بصفة أخرجتها عن حكم التكرير، فقال: «منة مشهورة» فوصفها بالاشتهار لعظم شأنها، و «صنيعة بكر» فوصفها بالبكارة: أي أنها لم يؤت بمثلها من قبل، و «إحسان أغر محجل» فوصفه بالغرة والتحجيل: أي هو ذو محاسن متعددة، فلما وصف هذه المعاني المتداخلة التي تدلّ على شيء واحد بأوصاف متباينة صار ذلك إطنابا، ولم يكن تكريرا.

ولم أجد في ضروب الإطناب أحسن من هذا الموضع، ولا ألطف، وقد استعمله أبو تمام في شعره كثيرا، بخلاف غيره من الشعراء، كقوله «٢» :

زكيّ سجاياه تضيف ضيوفه ... ويرجى مرجّيه ويسأل سائله «٣»

فإن غرضه من هذا القول إنما هو ذكر الممدوح بالكرم وكثرة العطاء، إلا أنه وصفه بصفات متعددة؛ فجعل ضيوفه تضيف، وراجيه يرجى، وسائله يسأل، وليس هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>