للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالث، والمراد به إيجاب صوم الأيام السبعة عند الرجوع في الطريق على الفور، لا عند الوصول إلى البلد كما ذهب إليه بعض الفقهاء، وبيانه أني أقول: إذا صدر الأمر من الأمر على المأمور بلفظ التكرير مجردا من قرينة تخرجه عن وصفه ولم يكن موقّتا بوقت معين كان ذلك حثّا على المبادرة إلى امتثال الأمر على الفور؛ فإنك إذا قلت لمن تأمره بالقيام: قم، قم، قم، فإنما تريد بهذا اللفظ المكرر أن يبادر إلى القيام في تلك الحال الحاضرة.

فإن قلت: الغرض بتكرير الأمر أن يتكرر في نفس المأمور أنه مراد منه، وليس الغرض الحثّ على المبادرة إلى امتثال الأمر.

قلت في الجواب: إن المرة الواحدة كافية في معرفة المأمور أن الذي أمر به مراد منه، والزيادة على المرة الواحدة لا تخلو: إما أن تكون دالة على ما دلت عليه المرة الواحدة أو دالة على زيادة معنى لم تكن في المرة الواحدة؛ فإن كانت دالة على ما دلت عليه المرة الواحدة كان ذلك تطويلا في الكلام لا حاجة إليه، وقد ورد مثله في القرآن الكريم، كهذه الآية المشار إليها وغيرها من الآيات، والتطويل في الكلام عيب فاحش عند البلغاء والفصحاء، والقرآن معجز ببلاغته وفصاحته، فكيف يكون فيه تطويل لا حاجة إليه، فينبغي أن تكون تلك الزيادة دالة على معنى زائد على ما دلّت عليه المرة الواحدة، وإذا ثبت هذا فتلك الزيادة هي الحث على المبادرة إلى امتثال الأمر؛ فإن سلمت لي ذلك وإلا فبيّن معنى تلك الزيادة ببيان غير ما ذكرته أنا، ولا أراك أن تستطيع ذلك.

فإن قلت: إن الواو في قوله تعالى: وسبعة إذا رجعتم

لولا أن تؤكد بقوله (تلك عشرة) لظن أنها وردت بمعنى أو: أي فثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجعتم، فلما قيل (تلك عشرة) زال هذا الظن، وتحققت الواو أنها عاطفة، وليست بمعنى أو.

قلت في الجواب: هذا باطل من أربعة أوجه: الوجه الأول: أن الواو العاطفة لا تجعل بمعنى أو أين وردت من الكلام، وإنما تجعل بمعنى أو حال ضرورة

<<  <  ج: ص:  >  >>