للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثعلب، فكما أنه لا مشابهة بين القول وبين هذين، فكذلك لا مشابهة بين السهل والوعر، وسيأتي كشف الغطاء عن ذلك وإشباع القول في تحقيقه في باب الاستعارة، فليؤخذ من هناك.

وقد ذهب قوم إلى أن الكلام كله حقيقة لا مجاز فيه، وذهب آخرون إلى أنه كله مجاز لا حقيقة فيه، وكلا هذين المذهبين فاسد عندي.

وسأجيب الخصم عما ادّعاه فيهما، فأقول:

محل النزاع هو أن اللغة كلها حقيقة أو أنها كلها مجاز، ولا فرق عندي بين قولك إنها كلها حقيقة أو إنها كلها مجاز، فإن كلا الطرفين عندي سواء؛ لأن منكرهما غير مسلّم لهما، وأنا بصدد أن أبين أن في اللغة حقيقة ومجازا، والحقيقة اللغوية هي حقيقة الألفاظ في دلالتها على المعاني، وليست بالحقيقة التي هي ذات الشيء أي نفسه وعينه؛ فالحقيقة اللفظية إذا هي دلالة اللفظ على المعنى الموضوع له في أصل اللغة، والمجاز هو نقل المعنى عن اللفظ الموضوع له إلى لفظ آخر غيره.

وتقرير ذلك بأن أقول:

المخلوقات كلها تفتقر إلى أسماء يستدل بها عليها؛ ليعرف كل منها باسمه، من أجل التفاهم بين الناس، وهذا يقع ضرورة لا بدّ منها؛ فالاسم الموضوع بإزاء المسمى هو حقيقة له، فإذا نقل إلى غيره صار مجازا، ومثال ذلك: أنا إذا قلنا شمس أردنا به هذا الكوكب العظيم الكثير الضوء، وهذا الاسم له حقيقة؛ لأنه وضع بإزائه، وكذلك إذا قلنا بحر أردنا به هذا الماء العظيم المجتمع الذي طعمه ملح، وهذا الاسم له حقيقة؛ لأنه وضع بإزائه، فإذا نقلنا الشمس إلى الوجه المليح استعارة كان ذلك له مجازا لا حقيقة، وكذلك إذا نقلنا البحر إلى الرجل الجواد استعارة كان ذلك له مجازا لا حقيقة.

فإن قيل: إن الوجه المليح يقال له شمس، وهو حقيقة فيه، وكذلك البحر يقال للرجل الجواد، وهو حقيقة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>