للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المعيب عند قوم فهو تضمين الإسناد، وذلك يقع في بيتين من الشعر، أو فصلين من الكلام المنثور، على أن يكون الأول منهما مسندا إلى الثاني؛ فلا يقوم الأول بنفسه، ولا يتم معناه إلا بالثاني، وهذا هو المعدود من عيوب الشعر، وهو عندي غير معيب؛ لأنه إن كان سبب عيبه أن يعلّق البيت الأول على الثاني فليس ذلك بسبب يوجب عيبا؛ إذ لا فرق بين البيتين من الشعر في تعلق أحدهما بالآخر وبين الفقرتين من الكلام المنثور في تعلق إحداهما بالأخرى؛ لأن الشعر هو: كل لفظ موزون مقفّى دلّ على معنى، والكلام المسجوع هو: كل لفظ مقفى دل على معنى؛ فالفرق بينهما يقع في الوزن لا غير.

والفقر المسجوعة التي يرتبط بعضها ببعض قد وردت في القرآن الكريم في مواضع منه؛ فمن ذلك قوله عز وجل في سورة الصافات: فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قال قائل منهم إني كان لي قرين. يقول أإنك لمن المصدقين. أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون

فهذه الفقر الثلاث الأخيرة مرتبط بعضها ببعض؛ فلا تفهم كل واحدة منهن إلا بالتي تليها، وهذا كالأبيات الشعرية في ارتباط بعضها ببعض، ولو كان عيبا لما ورد في كتاب الله عز وجل.

وكذلك ورد قوله تعالى في سورة الصافات أيضا: فإنكم وما تعبدون. ما أنتم عليه بفاتنين. إلا من هو صال الجحيم

فالآيتان الأوليان لا تفهم إحداهما إلا بالأخرى.

وهكذا ورد قوله عز وجل في سورة الشعراء: أفرأيت إن متعناهم سنين. ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون

فهذه ثلاث آيات لا تفهم الأولى ولا الثانية إلا بالثالثة، ألا ترى أن الأولى والثانية في معرض استفهام يفتقر إلى جواب، والجواب هو في الثالثة.

ومما ورد من ذلك شعرا قول بعضهم:

<<  <  ج: ص:  >  >>