للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: نصارى؟

قالوا: نصارى.

قال: ادعوا إلي حجاما، ففعلوا فجز نواصيهم وشق من أرديتهم حزما يحتزمون بها، وأمرهم أن لا يركبوا بالسروج وأن يركبوا على الأكف من شق واحد.

وروي أن أمير المؤمنين الخليفة جعفرا المتوكل أقصى اليهود والنصارى ولم يستعملهم وأذلهم وأبعدهم وخالف بين زيهم وزي المسلمين وقرب منه أهل الحق وأبعد عنه أهل الباطل، فأحيا الله به الحق وأمات به الباطل، فهو يذكر بذلك، ويترحم عليه ما دامت الدنيا.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:

لا تستعملوا اليهود والنصارى، فإنهم أهل رشا في دينهم ولا يحل في دين الله الرشا.

ولما استقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه من البصرة وكان عاملا بها للحساب، دخل على عمر وهو في المسجد فاستأذن لكاتبه وكان نصرانيا، فقال له عمر: قاتلك الله وضرب بيده على فخذه، ولّيت ذميا على المسلمين، أما سمعت الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ

«١» . الآية. هلا اتّخذت حنيفيا؟ فقال:

يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، فقال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزّهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله.

وكتب بعض العمال إلى عمر رضي الله عنه: إن العدو قد كثر وإن الجزية قد كثرت، أفنستعين بالأعاجم؟ فكتب إليه: إنهم أعداء الله وإنهم لنا غششة فأنزلوهم حيث أنزلهم الله.

ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر لحقه رجل من المشركين عند الحرة فقال: إني أريد أن أتبعك وأصيب معك. قال: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: ارجع، فلن نستعين بمشرك، ثم لحقه عند الشجرة فقال: جئتك لأتبعك وأصيب معك. قال: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال:

لا. قال: فارجع، فلن أستعين بمشرك، ثم لحقه عند ظهر البيداء، فقال له مثل ذلك، فأجابه بمثل الأول، فقال:

نعم. فخرج به وفرح به المسلمون، وكان له قوة وجلد.

وهذا أصل عظيم في أن لا يستعان بكافر، وهذا وقد خرج ليقاتل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويراق دمه، فكيف استعمالهم على رقاب المسلمين.

وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه إلى عماله أن لا تولوا على أعمالنا إلا أهل القرآن، فكتبوا إليه إنا قد وجدنا فيهم خيانة، فكتب إليهم إن لم يكن في أهل القرآن خير، فأجدر أن لا يكون في غيرهم.

قال أصحاب الشافعي: ويلزمهم أن يتميزوا في اللباس عن المسلمين، وأن يلبسوا قلانس يميزونها عن قلانس المسلمين بالحمرة، ويشد الزنانير على أوساطهم ويكون في رقابهم خاتم من نحاس أو رصاص أو جرس يدخلون به الحمام، وليس لهم أن يلبسوا العمائم ولا الطيلسانات، وأما المرأة فإنها تشد الزنار تحت الإزار، وقيل فوق الإزار وهو الأولى، ويكون في عنقها خاتم تدخل به الحمام، ويكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض، ولا يركبون الخيل ولا البغال، ولا الحمير بالأكف عرضا ولا يركبون بالسروج، ولا يتصدرون في المجالس ولا يبدأون بالسلام، ويلجأون إلى أضيق الطرق ويمنعون أن يتطاولوا على المسلمين في البناء، وتجوز المساواة، وقيل:

لا تجوز. وإن تملكوا دارا عالية أقرّوا عليها، ويمنعون من إظهار المنكر كالخمر والخنزير والناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل، ويمنعون من المقام في أرض الحجاز وهي مكة والمدينة واليمامة وإن امتنعوا من أداء الجزية والتزام أحكام أهل الملة انتقض عهدهم، وإن زنى أحد منهم بمسلمة أو أصابها بنكاح أو آوى عينا «٢» للكفار أو دل على عورة المسلمين «٣» أو فتن مسلما عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق تنتقض ذمته.

وفي تقدير الجزية اختلاف بين العلماء، فمنهم من قال إنها مقارة الأقل والأكثر على ما كتب به عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف بالكوفة، فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهما وعلى من دونه أربعة وعشرين درهما، وعلى من دونه اثني عشر درهما، وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولم يخالفه أحد وكان الصرف اثنا عشر بدينار، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل، وأحد قولي الشافعي، ويجوز للإمام أن يزيد على ما قدره عمر، ولا يجوز أن ينقص عنه ولا جزية على النساء والمماليك والصبيان والمجانين.

وأما الكنائس، فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن

<<  <   >  >>