للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بشاشة وجه المرء خير من القرى ... فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك

وقالت العرب: تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة وإطالة الحديث عند المؤاكلة، وقال حاتم الطائي:

سلي الطارق المعتّر يا أمّ مالك ... إذا ما أتاني بين ناري ومجزري «١»

أأبسط وجهي إنه أول القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري

وقال آخر في عبد الله بن جعفر:

إنك يا ابن جعفر خير فتى ... وخيرهم لطارق إذا أتى «٢»

ولله در القائل:

الله يعلم أنّه ما سرّني ... شيء كطارقة الضيوف النزّل

ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفا له والضيف ربّ المنزل

أخذه من قول الشاعر:

يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت ربّ المنزل

وما أحسن ما قال سيف الدولة بن حمدان:

منزلنا رحب لمن زاره ... نحن سواء فيه والطارق

وكلّ ما فيه حلال له ... إلّا الذي حرّمه الخالق

وقال الأصمعي: سألت عيينة بن وهب الدارمي عن مكارم الأخلاق فقال: أو ما سمعت قول عاصم بن وائل:

وإنّا لنقري الضيف قبل نزوله ... ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك

وقال بعض الكرام:

أضاحك ضيفي قبل أن أنزل رحله ... ويخصب عندي والمحلّ جديب

وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى ... ولكنّما وجه الكريم خصيب

وقال آخر:

عودت نفسي إذا ما الضيف نبّهني ... عقر العشار على عسر وإيسار «٣»

ومن آداب الضيف أن يتفقد دابة ضيفه ويكرمها قبل إكرام الضيف قال الشاعر:

مطية الضيف عندي تلو صاحبها ... لن يأمن الضيف حتى تكرم الفرسا

وقال علي بن الحسين رضي الله تعالى عنها: من تمام المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدمهم أبونا إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه بنفسه وأهله. أما سمعت قول الله عز وجل؟ وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ

«٤» . ومن آداب المضيف أن يحدث أضيافه بما تميل إليه نفوسهم، ولا ينام قبلهم، ولا يشكو الزمان بحضورهم، ويبش عند قدومهم، ويتألم عند وداعهم، وأن لا يحدث بما يروعهم به.

كما حكى بعضهم قال: استدعاني إسحاق بن إبراهيم الظاهري إلى أكل هريسة في بكرة نهار فدخلت، فأحضرت لنا الهريسة فأكلنا، فإذا شعرة قد جاءت على لقمة غفل عنها طباخه، فاستدعى خادمه، فأسر إليه شيئا لم نعلمه، فعاد الخادم ومعه صينية مغطاة، فكشف عن الصينية، فإذا يد الطباخ مقطوعة تختلج، فتكدر علينا عيشنا وقمنا من عنده ونحن لا نعقل. فيجب على المضيف أن يراعي خواطر أضيافه كيفما أمكن ولا يغضب على أحد بحضورهم، ولا ينغص عيشهم بما يكرهونه، ولا يعبس بوجهه ولا يظهر نكدا، ولا ينهر أحدا ولا يشتمه بحضرتهم، بل يدخل على قلوبهم السرور بكل ما أمكن.

كما حكي عن بعض الكرام أنه دعا جماعة من أصحابه إلى بستانه وعمل لهم سماطا وكان له ولد جميل الطلعة، فكان الولد في أول النهار يخدم القوم ويأنسون به، ففي آخر النهار صعد إلى السطح، فسقط فمات لوقته، فحلف أبوه على أمه بالطلاق الثلاث أن لا تصرخ ولا تبكي إلى أن تصبح، فلما كان الليل سأله أضيافه عن ولده، فقال:

هو نائم، فلما أصبحوا وأرادوا الخروج قال لهم: إن رأيتم أن نصلي على ولدي، فإنه بالأمس سقط من على السطح، فمات لساعته، فقالوا له: لم لا أخبرتنا حين سألناك؟

<<  <   >  >>