للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا ما تذكرت أجسامهم ... تصاغرت النفس حتى تهون

وأراد ملك الروم أن يباهي أهل الإسلام فبعث إلى معاوية رجلين أحدهما طويل والثاني قصير شديد القوة، فدعا للطويل بقيس بن سعد بن عبادة فنزع قيس سراويله ورمى بها إليه، فلبسها الطويل فبلغت ثدييه، فلاموا قيسا على نزع السراويل، فقال:

أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود

وكي لا يقولوا خان قيس وهذه ... سراويل عاد أحرزتها ثمود

وإليّ من القوم اليمانين سيّد ... وما الناس إلا سيد ومسود

ثم دعا معاوية للرجل الشديد في قوته بمحمد بن الحنفية، فخيره بين أن يقعد فيقيمه أو يقوم فيقعده، فغلبه في الحالتين وانصرفا مغلوبين.

وقيل: كان سلمة بن مرة الناموسي أسر امرأ القيس بن النعمان اللخمي الملك، وكان الناموسي قصيرا مقتحما، واللخمي طويلا جسيما، فقالت بنت امرىء القيس:

يا هذا القصير أطلق أبي، فسمعه سلمة بن مرة، فقال:

لقد زعمت بنت امرىء القيس أنني ... قصير وقد أعيا أباها قصيرها

وربّ طويل قد نزعت سلاحه ... وعانقته والخيل تدمى نحورها

وقالوا: عظم اللحية يدل على البله وعرضها على قلة العقل وصغرها على لطف الحركة، وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد، والعين المتوسطة في حجمها تدل على الفطنة، وحسن الخلق والمروءة، والتي يطول تحديقها تدل على الحمق، والتي تكسر طرفها تدل على خفة وطيش. والشعر على الأذن يدل على جودة السمع، والأذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان.

[ومما قيل في القبح والدمامة:]

أراد رجل أن يكتب كتابا لبعض أصحابه فلم يجد من يرسله معه إلا رجلا وحش الصورة بشع المنظر، فلم يقدر على تحليته لفرط دمامته، فكتب إلى صاحبه يأتيك بهذا الكتاب آية على آيات الله تعالى وقدره، فدعه يذهب إلى نار الله وسقره. ومر أبو الأسود الدؤلي بمجلس لبني بشير فقال: بعض فتيانهم كأن وجهه وجه عجوز راحت إلى أهلها بطلاقها.

وقال الجاحظ: ما أخجلني قط إلا امرأة مرت بي إلى صائغ، فقالت له: اعمل مثل هذا، فبقيت مبهوتا، ثم سألت الصائغ، فقال: هذه المرأة أرادت أن أعمل صورة شيطان.

فقلت: لا أدري كيف أصوره، فأتت بك إليّ لأصوره على صورتك.

وفي الجاحظ يقول الشاعر:

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ... ما كان إلّا دون قبح الجاحظ

رجل ينوب عن الجحيم بوجهه ... وهو العمى في عين كلّ ملاحظ

ولو أنّ مرآة جلت تمثاله ... ورآه كان له كأعظم واعظ

وقال الأصمعي: رأيت بدوية من أحسن الناس وجها ولها زوج قبيح، فقلت: يا هذه أترضين أن تكوني تحت هذا؟ فقالت: يا هذا لعله أحسن فيما بينه وبين ربه، فجعلني ثوابه، وأسأت فيما بيني وبين ربي، فجعله عذابي، أفلا أرضى بما رضي الله به.

وحج مخنث، فرأى رجلا قبيح الوجه يستغفر، فقال:

يا حبيبي ما أراك أن تبخل بهذا الوجه على جهنم. وقال بعضهم لرجل: طلع لي دمل في أقبح المواضع، فقال له:

كذبت هذا وجهك ليس فيه شيء. وخرج رجل قبيح الوجه إلى المتجر، فدخل اليمن، فلم ير فيها أحسن منه وجها، فقال:

لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا

فيا شقاء بلدة ... أحسن من فيها أنا

وخطب رجل عظيم الأنف امرأة، فقال لها: قد عرفت أني رجل كريم المعاشرة محتمل المكاره، فقالت: لا شك في احتمالك المكاره مع حملك هذا الأنف أربعين سنة.

وقال الشاعر في رجل كبير الأنف:

لك وجه وفيه قطعة أنف ... كجدار قد أدعموه ببغله

وهو كالقبر في المثال ولكن ... جعلوا نصبه على غير قبله

<<  <   >  >>