للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يعبد الله اليوم سرا، فظهر به الإسلام، وفرق بين الحق والباطل. الكامل سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه، لأنه كان يكتب ويحسن الرمي والعوم. طلحة بن عبد الله رضي الله تعالى عنه كان يقال له طلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الطلحات لسخائه.

رشح الحجر، وأبو الريان عبد الملك بن مروان لقب بذلك لبخله وبخره. عكة العسل سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنه. الحبر عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه لقب بذلك لعلمه، كان يقال له: مرة الحبر ومرة البحر. الأشدق عمرو بن سعيد لأنه كان مائل الشدق.

الفيّاض عكرمة بن ربعي لقب بذلك لسخائه. المصطلق خزيمة بن سعد الخزاعي قيل له المصطلق لحسن صوته وشدته، وكان أول من غنى من خزاعة.

راح يكذب لقب به المهلب لأنه كان يضع الحديث أيام الخوارج فيحدث به، فإذا رأوه قالوا: راح يكذب. واصل الغزّال كان يكثر الجلوس في سوق الغزّالين وكان يتتبع العجائز فيتصدق عليهم ولم يكن غزّالا. سليمان التميمي كان داره ومسجده في بني تميم ولم يكن منهم وهو شيباني. أبو عمرو الشيباني لم يكن من بني شيبان، وإنما كان يعلم يزيد بن مزيد الشيباني. اليزيدي كان يعلم يزيد بن منصور الحميري فنسب إليه. ذو القروح امرؤ القيس كان ملك الروم كساه العباءة المسمومة فقرحته، وقالوا: لم تكن الكنى لأحد من الأمم إلا العرب، وهي مفاخرهم، وقال بعضهم:

أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسودة اللقب

وقيل في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً

«١» أي كنياه، ولما ضرب موسى عليه الصلاة والسلام البحر ولم ينفلق أوحى الله تعالى إليه أن كنه، فقال: انفلق أبا خالد، فانفلق، فكان كل فرق كالطود العظيم.

[وأما الألقاب:]

فقد قال الله تعالى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ

«٢» . سماه الله تعالى فسوقا. واتفق العلماء رضي الله تعالى عنهم على جواز ذلك على وجه التعريف لمن لا يعرف إلا بذلك. كالأعمش والأعمى والأعرج والأحول والأفطس والأقرع ونحو ذلك، وقلّ من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب. ولم يزل في الأمم كلها يجري في المخاطبات والمكاتبات من غير نكير. غير أنها كانت تطلق على حسب الموسومين، وأما ما استحسن من تلقيب السفلة بالألقاب العلية حتى زال الفضل وذهب التفاوت وانقلب النقص والشرف شرعا واحدا فمنكر، وهب أن العذر مبسوط في ذلك، فما العذر في تلقيب من ليس من الدين في دبير ولا قبيل ولا له فيه ناقة ولا فصيل بل هو محتو على ما يضاد الدين، وينافي كمال الدين وشرف الإسلام، وهي لعمر الله الغصة التي لا تساغ والغبن الذي يعجز الصبر دونه فلا يستطاع. نسأل الله تعالى إعزاز دينه وإعلاء كلمته، وأن يصلح فسادنا ويوقظ غافلنا.

الرجل يكنى باسم ولده والمرأة كذلك، وإذا كنوا من لم يكن له ولد فعلى جهة التفاؤل وبناء الأمر على رجاء أن يعيش فيولد له، وقد يكنون بما يلائم المكنى من غير الأولاد كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله تعالى عنه أبو تراب، وذلك أنه نام في غزوة ذي العشيرة، فذهب به النوم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متمرغ في التراب، فقال له: اجلس أبا تراب، وكان أحب أسمائه إليه. وكقولهم أبي لهب لحمرة خديه ولونه.

وقال الزمخشري رحمه الله تعالى: وسمعتهم يكنون الكبير الرأس، والعمامة بأبي الرأس وأبي العمامة، وسمعت العرب ينادون الطويل اللحية يا أبا الطويلة، وسمعت عرب البحيرة يكنون بأسماء بناتهم، كأبي زهو، وأبي سلطانة، وأبي ليلى ونحو ذلك، ولا حرج في ذلك، وقد تكنى جماعة من أفاضل الصحابة بأبي فلانة منهم سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان له ثلاث كنى أبو عمرو، وأبو عبد الله، وأبو ليلى، ومنهم أبو أمامة، وأبو رقية تميم الداري، وأبو كريمة المقداد بن معد يكرب، وكثير من الصحابة ومن التابعين رضوان الله عليهم أجمعين: أبو عائشة مسروق بن الأجدع، وكان لأنس أخ صغير وله نغير «٣» يلعب به فمات، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟ فقالوا: مات نغيره، فقال:

يا أبا عمير ما فعل النّغير. ونظر المأمون إلى غلام حسن في الموكب، فسأله عن اسمه، فقال: لا أدري، فقال:

تسميّت لا أدري فإنّك لا تدري ... بما فعل الحب المبرّح في صدري

<<  <   >  >>