للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط» . رواه الترمذي، وقال حديث حسن.

وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر، والصبر عند الصدمة الأولى، وعظم الأجر على قدر المصيبة، ومن استرجع «١» بعد مصيبته جدد الله له أجرها كيوم أصيب بها» .

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:

احفظوا عني خمسا. اثنتين واثنتين وواحدة. لا يخافن أحدكم إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي أحد منكم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلم أن يقول لا أعلم، واعلموا أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد إذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور، وأيما رجل حبسه السلطان ظلما، فمات في حبسه مات شهيدا فإن ضربه فمات، فهو شهيد.

وروي في الخبر لما نزل قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ

«٢» .

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله: كيف الفرح بعد هذه الآية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر، أليس تمرض، أليس يصيبك الأذى، أليس تحزن، قال: بلى يا رسول الله. قال: فهذا ما تجزون به يعني جميع ما يصيبك من سوء يكون كفّارة لك، وبهذا اتضح لك أن العبد لا يدرك منزلة الأخيار إلا بالصبر على الشدة والبلاء.

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحابه جلوس، وقد نحرت جزور «٣» بالأمس فقال أبو جهل لعنه الله: أيكم يقوم إلى سلا الجزور «٤» فيلقيه على كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه وأتى به، فلما سجد صلى الله عليه وسلم وضع بين كتفيه السلا والفرث «٥» والدم، فضحكوا ساعة وأنا قائم انظر، فقلت: لو كان لي منعة لطرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق انسان، فأخبر فاطمة رضي الله عنها، فجاءت فطرحته عن ظهره، ثم أقبلت عليهم فسبتهم، فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة رفع يديه فدعا عليهم فقال: اللهم عليك بقريش، ثلاث مرات، فلما سمع القوم صوته ودعاءه ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته فقال:

اللهم عليك بأبي جهل، وعتبة، وشيبة، وربيعة والوليد، وأمية بن خلف، فقال علي رضي الله عنه: والذي بعث محمدا بالحق رأيت الذين سماهم صرعى يوم بدر.

وكان الصالحون يفرحون بالشدة لأجل غفران الذنوب لأن فيها كفارة السيئات ورفع الدرجات.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث من رزقهن فقد رزق خيري الدنيا والآخرة. الرضا بالقضاء، والصبر على البلاء، والدعاء في الرخاء.

وحكي أن امرأة من بني إسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة، فسرقها سارق، فصبرت وردت أمرها إلى الله، ولم تدع عليه، فلما ذبحه السارق، ونتف ريشها نبت جميعهن في وجهه، فسعى في إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتى حبرا من أحبار بني إسرائيل، فشكا له، فقال: لا أجد لك دواء إلا أن تدعو عليك هذه المرأة، فأرسل إليها من قال لها: أين دجاجتك؟ فقالت: سرقت، فقال: لقد آذاك من سرقها. قالت: قد فعل، ولم تدع عليه. قال: وقد فجعك في بيضها. قالت هو كذلك، فما زال بها حتى أثار الغضب منها، فدعت عليه، فتساقط الريش من وجهه، فقيل لذلك الحبر: من أين علمت ذلك؟ قال: لأنها لما صبرت ولم تدع عليه انتصر الله لها، فلما انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش من وجهه. فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدة، ويحمد الله ويعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا، وأن المصائب والرزايا إذا توالت أعقبها الفرج والفرح عاجلا.

[ومن أحسن ما قيل في ذلك من المنظوم:]

وإذا مسّك الزمان بضر ... عظمت دونه الخطوب وجلّت

وأتت بعده نوائب أخرى ... سئمت نفسك الحياة وملّت

فاصطبر وانتظر بلوغ الأماني ... فالرّزايا إذا توالت تولّت

<<  <   >  >>