للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأخلاط وأن ذلك بقدر مزاج كل واحد منها وقوته، فالذي يغلب عليه الصفراء يرى بحورا وعيونا ومياها كثيرة ويرى أنه يسبح ويصيد سمكا، ومن غلبت على مزاجه السوداء رأى في منامه أجداثا وأمواتا مكفنين بسواد وبكاء وأشياء مفزغة، ومن غلب على مزاجه الدم رأى الخمر والرياحين وأنواع الملاهي والثياب المصبغة.

والذي يقع عليه التحقيق أن الرؤيا الصالحة كما قد جاء جزء من ستين جزء من النبوة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بدىء به من الوحي الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. والرؤيا على ضربين فمنهم من يرى رؤيا فتجيء على حالها لا تزيد ولا تنقص، ومنهم من يرى الرؤيا في صورة مثل ضرب له.

فمن ذلك ما حكي:

أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الجنة غرفا فقال: لمن هذه؟ فقيل لأبي جهل بن هشام فقال: ما لأبي جهل والجنة والله لا يدخلها أبدا. قال: فأتاه عكرمة ولده مسلما، فتأولها به وكذلك تأول في قتل الحسين لما رأى أن كلبا أبقع «١» يلغ في دمه، وكان ذلك بعد رؤياه عليه الصلاة والسلام بخمسين عاما.

وكذلك حين قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: «إني رأيت كأني رقيت أنا وأنت درجا في الجنة فسبقتك بدرجتين ونصف، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه:

يا رسول الله أقبض بعدك بسنتين ونصف.

ورأت عائشة رضي الله تعالى عنها سقوط ثلاثة أقمار في حجرتها فأولها أبوها بموته وموت النبي صلى الله عليه وسلم وموت عمر رضي الله تعالى عنهما ودفنهم في حجرتها فكان الأمر كذلك.

وحكي: أن أم الشافعي رضي الله تعالى عنه لما حملت به رأت كأن المشتري خرج من فرجها وانقض بمصر ثم تفرق في كل بلد قطعة، فأول بعالم يكون بمصر وينتشر علمه بأكثر البلاد فكان كذلك.

وحكي أيضا: أن عاملا أتى عمر رضي الله تعالى عنه فقال: رأيت الشمس والقمر اقتتلا، فقال له عمر: مع من كنت؟ قال: مع القمر، فقال: مع الآية الممحوة والله لا وليت لي عملا فعزله. ثم اتفق أن عليا رضي الله تعالى عنه وقع بينه وبين معاوية ما وقع فكان ذلك الرجل مع معاوية.

وأما من مهر في تعبير الرؤيا فهو ابن سيرين. جاءه رجل فقال له: رأيت كأني أسقي شجرة زيتون زيتا، فاستوى جالسا فقال: ما التي تحتك؟ قال: علجة اشتريتها، وفي رواية جارية، وأنا أطأها فقال: أخاف أن تكون أمك فكشف عنها فوجدها أمه.

وجاءه رجل فقال: رأيت كأن في يدي خاتما أختم به فروج النساء وأفواه الرجال، فقال له: أنت مؤذن تؤذن بالليل فتمنع الرجال والنساء من الأكل والوطء. وجاءه رجل فقال: رأيت جارة لي قد ذبحت في بيت من دارها، فقال: هي امرأة نكحت في ذلك البيت، وكانت امرأة لصديق ذلك الرجل فاغتم لذلك ثم بلغه أن الرجل قدم في تلك الليلة وجامع زوجته في ذلك البيت.

وجاءه رجل معه جراب فقال له: رأيت في النوم كأني أسد الزقاق سدا وثيقا شديدا، فقال له: أنت رأيت هذا؟

قال: نعم، فقال لمن حضره: ينبغي أن يكون هذا الرجل يخنق الصبيان وربما تكون في جرابه آلة الخنق، فوثبوا عليه وفتشوا الجراب فوجدوا فيه أوتارا وحلقا فسلموه إلى السلطان.

وجاءته امرأة وهو يتغدى فقالت له: رأيت في النوم كأن القمر دخل في الثريا، ونادى مناد من فوق أن ائت ابن سيرين فقصي عليه، فتقلصت يده وقال: ويلك كيف رأيت هذا؟ فأعادت عليه فقال لأخته: هذه تزعم أني أموت لسبعة أيام وأمسك يده على فؤاده وقام يتوجع ومات بعد سبعة أيام.

وجاءه رجل فقال: رأيت كأني آخذ البيض وأقشره فآكل بياضه وآلقي صفاره، فقال: إن صدق منامك فأنت نباش الموتى فكان ذلك.

وحكي: أن ابن سيرين رأى الجوزاء قد تقدمت على الثريا فجعل يوصي، وقال: يموت الحسن وأموت بعده.

وهو أشرف مني فمات الحسن ومات بعده بمائة يوم.

وحكي: أن رجلا رأى عيسى عليه السلام فقال له:

يا نبي الله صلبك حق، قال: نعم، فعبره على بعضهم، فقال تكذب رؤياك بقوله تعالى: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ

«٢» . ولكن هو عائد على الرائي فكان كذلك.

وأتى ابنة مغيث آت في المنام فقال لها:

لك البشيرى بولد ... أشبه شيء بالأسد

إذا الرجال في كبد

<<  <   >  >>