للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومر بعضهم بقارىء يقرأ «الم غلبت الترك في أدنى الأرض» فقال له «الروم» . فقال له: كلهم أعداؤنا قاتلهم الله.

وكان جماعة يجلسون إلى أبي العيناء وفيهم رجل لا يتكلم فقيل له يوما: كيف علمك بكتاب الله؟ قال: أنا عالم به، فقيل له هذه الآية في أي سورة «الحمد لله لا شريك له» فقال له: في سورة الحمد، فضحكوا عليه.

وجاء رجل إلى فقيه، فقال: أفطرت يوما في رمضان، فقال: اقض يوما مكانه، قال: قضيت وأتيت أهلي، وقد عملوت مأمونية «١» ، فسبقتني يدي إليها، فأكلت منها، فقال: اقض يوما آخر مكانه. قال: قضيت، وأتيت أهلي وقد عملوا هريسة «٢» ، فسبقتني يدي إليها، فقال: أرى أن لا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك.

وجاء رجل إلى بعض الفقهاء، فقال له: أنا عبد الله على مذهب ابن حنبل وإني توضأت وصليت، فبينما أنا في الصلاة إذ أحسست ببلل في سروايلي يتلزق، فشممته فإذا رائحته كريهة خبيثة، فقال الفقيه: عافاك الله خريت بإجماع المذاهب.

وجاء رجل إلى فقيه قال: أنا رجل أفسو في ثيابي حتى تفوح روائحي، فهل يجوز لي أن أصلي في ثيابي؟ قال:

نعم، لكن لا كثر الله في المسلمين مثلك.

ووقع بين الأعمش وبين امرأته وحشة، فسأل بعض أصحابه من الفقهاء أن يرضيها ويصلح بينهما، فدخل إليها وقال: إن أبا محمد شيخ كبير فلا يزهدنك فيه عمش عينيه، ودقة ساقيه، وضعف ركبتيه ونتن إبطيه، وبخر فيه، وجمود كفيه، فقال له الأعمش: قم قبحك الله فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.

وسكن بعض الفقهاء في بيت سقفه يقرقع في كل وقت فجاءه صاحب البيت يطلب الأجرة، فقال له: أصلح السقف، فإنه يقرقع، قال: لا تخف، فإنه يسبح الله تعالى قال: أخشى أن تدركه رقة فيسجد.

[الفصل الثالث في نوادر القضاة]

كان لبعض القضاة بغلة، فقرأ يوما في المصحف. وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها

«٣» ، فقال لغلامه:

أطلق البغلة ورزقها على الله، فصارت البغلة تدور الأسواق والأزقة وتأكل من قشور الباذنجان وقشور الرمان وقشور البطيخ، وقمامات الطريق، فماتت، فأمر الغلام بإحضار المشاعلية ليحملوها لظاهر المدينة فأحضرهم، فطلبوا من القاضي عشرة دراهم أجرة حملها وقالوا ليس لنا شيء نرتزق منه إلا من مثل هذا، وسيدنا رجل غني وله أشياء كثيرة، العدالة والتزويج والعقود والوراقة والسجن والإطلاق وجامكية الحكم، وأجرة اليمين والتدريس والأوقاف، فقال لهم القاضي: ألمثلي يقال هذا، وأنتم لكم اثنا عشر بابا من المنافع، منها: الوسخ، والزفر، والهلع، والولع، وبيت النبذة، وشركة النفوس، وجباية الأسواق، وحرق النار، وسلب الشطار، ولكم الضياح وثمن الإصلاح وما تروحوا من هذه البغلة بلا شيء، جلدها للدباغين وذنبها للغرابلية ومعرفتها للشعار وتطبيقتها للبيطار، قال: فتقدم أحدهم إليه، وقال: بحق من تاب عليك ورد عاقبتك إلى خير وأراحك من هذا المعاش تصدق علينا بشيء ولا تدعنا نروح بلاش.

تفسير هذه الألفاظ. الزفر: النساء الزانيات، والوسخ:

المراحيض، والهلع: جباية الأسواق، والولع: القمار.

وبيت النبذة: محل المزر، وشركة النفوس: كل من حمل ميتا، ولحقوه قبل أن يخرج من باب البلد كانوا شركاءه.

وسلب الشطار: كل من شنقوه لهم سلبه.

وولي يحيى بن أكثم قاضيا على أهل جبلة، فبلغه أن الرشيد انحدر إلى البصرة، فقال لأهل جبلة: إذا اجتاز الرشيد فاذكروني عنده بخير، فوعدوه بذلك، فلما جاء الرشيد تقاعدوا عنه، فسرح القاضي لحيته، وكبر عمته وخرج، فرأى الرشيد في الحراقة ومعه أبو يوسف القاضي، فقال يا أمير المؤمنين: نعم القاضي قاضي جبلة عدل فينا، وفعل كذا وكذا، وجعل يثني على نفسه، فلما رآه أبو يوسف عرفه، فضحك فقال له الرشيد: مم تضحك؟ فقال يا أمير المؤمنين: المثني على القاضي هو القاضي، فضحك الرشيد حتى فحص برجله الأرض، ثم

<<  <   >  >>