للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمر بعزله فعزل «١» .

وأحضر رجل ولده إلى القاضي فقال: يا مولانا إن ولدي هذا يشرب الخمر ولا يصلي، فأنكر ولده ذلك، فقال أبوه: يا سيدي أفتكون صلاة بغير قراءة، فقال الولد إني أقرأ القرآن، فقال له القاضي: اقرأ حتى أسمع فقال:

علق القلب الربابا ... بعدما شابت وشابا

إن دين الله حق ... لا أرى فيه ارتيابا

فقال أبوه: إنه لم يتعلم هذا إلا البارحة، سرق مصحف الجيران وحفظ هذا منه، فقال القاضي، وأنا الآخر أحفظ آية منها وهي:

فارحمي مضنى كئيبا ... قد رأى الهجر عذابا

ثم قال القاضي: قاتلكم الله يعلم أحدكم القرآن ولا يعمل به.

وتقدم اثنان إلى أبي صمصامة القاضي، فادعى أحدهما على الآخر طنبورا، فأنكر، فقال للمدعي: ألك بينة؟

فقال: لي شاهدان فأحضر رجلين شهدا له، فقال المدعى عليه: سلهما يا سيدي عن صناعتهما، فأخبر أحدهما أنه نباذ، وقال الآخر أنه قواد، فالتفت القاضي إلى المدعى عليه، وقال: أتريد على طنبور أعدل من هذين؟ ادفع إليه طنبوره.

وتحاكم الرشيد وزبيدة إلى أبي يوسف القاضي في الفالوذج واللوزينج أيهما أطيب، فقال أبو يوسف: أنا لا أحكم على غائب، فأمر الرشيد بإحضارهما، وقدما بين يدي أبي يوسف، فجعل يأكل من هذا مرة ومن هذا مرة حتى نصف الجامين ثم قال: يا أمير المؤمنين ما رأيت أعدل منهما كلما أردت أن أحكم لأحدهما أتى الآخر بحجته.

وأتى بعض المجان لبعض القضاة فقال: يا سيدي إن امرأتي قحبانا، فقال له القاضي: طلقهانا، فقال: عشقانا.

فقال: قودهانا.

وادعى رجل عند قاض على امرأة حسناء بدين، فجعل القاضي يميل إليها بالحكم، فقال الرجل: أصلح الله القاضي حجتي أوضح من هذا النهار، فقال له القاضي:

اسكت يا عدو الله، فإن الشمس أوضح من النهار. قم لا حق لك عليها، فقالت المرأة: جزاك الله عن ضعفي خيرا فقد قويته، فقال الرجل: لا جزاك الله عن قوتي خيرا فقد أوهيتها.

ورفعت امرأة زوجها إلى القاضي تبغي الفرقة. وزعمت أنه يبول في الفراش كل ليلة. فقال الرجل للقاضي:

يا سيدي لا تعجل علي حتى أقص عليك قصتي، إني أرى في منامي كأني في جزيرة في البحر وفي قصر عالي، وفوق القصر قبة عالية، وفوق القبة جمل وأنا على ظهر الجمل، وإن الجمل يطأطىء برأسه ليشرب من البحر، فإذا رأيت ذلك بلت من شدة الخوف، فلما سمع القاضي ذلك بال في فراشه وثيابه وقال: يا هذه أنا قد أخذني البول من هول حديثه، فكيف بمن يرى الأمر عيانا.

[الفصل الرابع في نوادر النحاة]

وقف نحوي على بياع يبيع أرزا بعسل وبقلا بخل، فقال: بكم الأرز بالأعسل والأخلل بالأبقل؟ فقال:

بالأصفع في الأرؤس والأضرط في الأذقن.

ووقع نحوي في كنيف، فجاء كناس ليخرجه، فصاح به الكناس ليعلم أهو حي أم لا، فقال له النحوي: أطلب لي حبلا دقيقا وشدني شدا وثيقا واجذبني جذبا رفيقا، فقال الكناس: امرأته طالق إن أخرجتك منه، ثم تركه وانصرف.

وكان لبعضهم ولد نحوي يتقعر في كلامه، فاعتل أبوه علة شديدة أشرف منها على الموت، فاجتمع عليه أولاده، وقالوا له: ندعو لك فلانا أخانا، قال: لا إن جاءني قتلني، فقالوا: نحن نوصيه أن لا يتكلم، فدعوه، فلما دخل عليه قال له يا أبت: قل لا إله إلا الله تدخل بها الجنة وتفوز من النار، يا أبت: والله ما أشغلني عنك إلا فلان، فإنه دعاني بالأمس، فأهرس وأعدس واستبذج وسكبج وطهبج وأفرج ودجج وأبصل وأمضر ولوزج وافلوزج فصاح أبوه غمضوني، فقد سبق ابن الزانية ملك الموت إلى قبض روحي.

وجاء نحوي يعود مريضا، فطرق بابه، فخرج إليه ولده فقال: كيف وجدت أباك؟ قال: يا عم ورمت رجليه، قال: لا تلحن قل رجلاه، ثم ماذا؟ قال: ثم وصل الورم إلى ركبتاه. قال: لا تلحن قل إلى ركبتيه، ثم ماذا؟ قال:

مات وأدخله الله في ... عيالك وعيال سيبويه ونفطويه وجحشويه.

<<  <   >  >>