للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه، وقال: كيف يحل أن أجعل هؤلاء المرد بلحى وأغير هذه الصورة الحسنة، وإنما أجعل أصحاب هذه اللحى مردا في لحظة واحدة، فضحك منه الرشيد وعفا عنه وأمر له بصلة.

وتنبأ إنسان، فطالبوه بحضرة المأمون بمعجزة، فقال:

أطرح لكم حصاة في الماء فتذوب. قالوا: رضينا فأخرج حصاة معه وطرحها في الماء فذابت، فقالوا: هذه حيلة ولكن نعطيك حصاة من عندنا ودعها تذوب، فقال: لستم أجل من فرعون ولا أنا أعظم حكمة من موسى، ولم يقل فرعون لموسى لم أرض بما تفعله بعصاك حتى أعطيك عصا من عندي تجعلها ثعبانا. فضحك المأمون وأجازه.

وتنبأ رجل في أيام المعتصم، فلما حضر بين يديه قال:

أنت نبي؟ قال: نعم، قال: وإلى من بعثت؟ قال: إليك.

قال: أشهد أنك لسفيه أحمق، قال: إنما يبعث إلى كل قوم مثلهم، فضحك المعتصم وأمر له بشيء.

وتنبأ رجل في أيام المأمون وادعى إنه إبراهيم الخليل، فقال له المأمون: إن إبراهيم كانت له معجزات وبراهين، قال: وما براهينه؟ قال: أضرمت له نار وألقي فيها، فصارت عليه بردا وسلاما، ونحن نوقد لك نارا ونطرحك فيها، فإن كانت عليك كما كانت عليه آمنا بك، قال: أريد واحدة أخف من هذه، قال: فبراهين موسى، قال: وما براهينه؟ قال: ألقى عصاه فإذا هي حية تسعى وضرب بها البحر، فانفلق، وأدخل يده في جيبه فأخرجها بيضاء.

قال: وهذه علي أصعب من الأولى. قال: فبراهين عيسى.

قال: وما هي؟ قال: إحياء الموتى. قال: مكانك قد وصلت. أنا أضرب رقبة القاضي يحيى بن أكثم وأحييه لكم الساعة، فقال يحيى: أنا أول من آمن بك وصدّق.

وتنبأ آخر في زمن المأمون، فقال المأمون: أريد منك بطيخا في هذه الساعة، قال: أمهلني ثلاثة أيام، قال:

ما أريده إلا الساعة، قال: ما أنصفتني يا أمير المؤمنين إذا كان الله تعالى الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ما يخرجه إلا في ثلاثة أشهر، فما تصبر أنت علي ثلاثة أيام، فضحك منه ووصله.

وتنبأ آخر في زمن المأمون، فلما مثل بين يديه. قال له من أنت؟ قال: أنا أحمد النبي قال: لقد ادعيت زورا، فلما رأى الأعوان قد أحاطت به وهو ذاهب معهم قال:

يا أمير المؤمنين أنا أحمد النبي، فهل تذمه أنت، فضحك المأمون منه وخلّى سبيله.

وتنبأ آخر في زمن المتوكل، فلما حضر بين يديه قال له: أنت نبي؟ قال: نعم، قال: فما الدليل على صحة نبوتك؟ قال: القرآن العزيز يشهد بنبوتي في قوله تعالى:

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ١

«١» وأنا إسمي نصر الله، قال: فما معجزتك؟ قال: ائتوني بامرأة عاقر أنكحها تحمل بولد يتكلم في الساعة ويؤمن بي، فقال المتوكل لوزيره الحسن بن عيسى أعطه زوجتك حتى تبصر كرامته، فقال الوزير: أما أنا فأشهد أنه نبي الله، وإنما يعطي زوجته من لا يؤمن به. فضحك المتوكل وأطلقه.

وادعى رجل النبوة زمن خالد بن عبد الله القسري وعارض القرآن فأتي به إلى خالد فقال له: ما تقول؟ قال:

عارضت القرآن. قال: بماذا؟ قال: قال الله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ١

«٢» الآية، وقلت إنا أعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر ولا تطع كل ساحر. فأمر به خالد فضرب عنقه وصلب، فمر به خلف بن خليفة الشاعر، فضرب بيده على الخشبة وقال: إنا أعطيناك العود فصل لربك من قعود وأنا ضامن لك أن لا تعود.

وأتي المأمون برجل ادعى النبوة، فقال له: ألك علامة على نبوتك؟ قال: علامتي أني أعلم ما في نفسك، قال:

وما في نفسي؟ قال: في نفسك أني كاذب، قال:

صدقت. ثم أمر به إلى السجن، فأقام فيه أياما، ثم أخرجه، فقال: هل أوحي إليك بشيء؟ قال: لا. قال:

ولم؟ قال: لأن الملائكة لا تدخل الحبوس. فضحك منه وخلى سبيله.

وأتي بامرأة تنبأت في أيام المتوكل، فقال لها: أنت نبية؟ قالت: نعم. قال: أتؤمنين بمحمد؟ قالت: نعم، قال: فإنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نبي بعدي، قالت: فهل قال لا نبية بعدي، فضحك المتوكل وأطلقها.

وتنبأ رجل يسمى نوحا، وكان له صديق نهاه، فلم يقبل، فأمر السلطان بقتله، فمر به صديقه، فقال له: يا نوح ما حصلت من السفينة إلا على الصاري.

[الفصل السابع في نوادر السؤال]

وقف أعرابي بباب يسأل، فقال له صغير من باب الدار:

بورك فيك، فقال: قبح الله هذا الفم لقد تعلمت الشر صغيرا.

<<  <   >  >>