للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرشيد ودعا مسرورا، فضربه، فصاح، وقال: يا أمير المؤمنين قد وهبت له ما بقي. فضحك الرشيد وأمر لهما بألف دينار، فأخذ كل واحد منهما خمسمائة دينار، ورجع ابن المغازلي شاكرا والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الباب السابع والسبعون في الدعاء وآدابه وشروطه]

وفيه فصول

[الفصل الأول في الدعاء وآدابه]

قال الله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ

«١» . اختلف في سبب نزولها، فقال مقاتل: إن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه واقع امرأته بعدما صلى العشاء في رمضان فندم على ذلك وبكى وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ورجع مغتما، وكان ذلك قبل الرخصة، فنزلت هذه الآية: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ

«٢» .

وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قالت اليهود كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام، وغلظ كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت هذه الآية.

وقال الحسن: إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت هذه الآية. قوله تعالى:

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ

«٣» . أي أقبل عبادة من عبدني، فالدعاء بمعنى العبادة والإجابة بمعنى القبول.

وقال قوم: إن الله تعالى يجيب كل الدعاء، فإما أن يعجل الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عن الداعي وإما أن يدخر له في الآخرة لما رواه أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة لاحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له ثوابها، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها» . وروي أنه إذا كان يوم القيامة واستقر أهل الجنة في الجنة، فبينما العبد المؤمن في قصره، وإذا ملائكة من عند ربه يأتونه بتحف من عند الله، فيقول ما هذا؟ أليس الله قد أنعم علي وأكرمني، فيقولون ألست كنت تدعو الله في الدنيا؟ هذا دعاؤك الذي كنت تدعوه قد أدخر لك.

واعلم أن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط، فشرط الداعي أن يكون عالما بأن لا قادر إلا الله، وأن الوسائط في قبضته، ومسخرة بتسخيره، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب، فإن الله تعالى لا يستجيب دعاء من قلب لاه، وأن يكون متجنبا لأكل الحرام ولا يمل من الدعاء، ومن شروط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعا كما قال عليه الصلاة والسلام: ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم.

قال ابن عطاء الله: إن للدعاء أركانا وأجنحة وأسبابا وأوقاتا، فإن وافق أركانه قوي وإن وافق أجنحته طار إلى السماء وإن وافق مواقيته فاز وإن وافق أسبابه نجح، فأركانه حضور القلب والخشوع وأجنحته الصدق ومواقيته الأسحار وأسبابه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن شروط الدعاء أن يكون سليما من اللحن، كما قال بعضهم:

ينادي ربّه باللحن ليث ... كذلك إذ دعاه لا يجاب

وقيل: إن الله تعالى لا يستجيب دعاء عريف ولا شرطي ولا جاب ولا عشار ولا صاحب عرطبة، وهي الطنبور، ولا صاحب كوبة، وهي الطبل الكبير الضيق الوسط. ومن آداب الدعاء أن يدعو الداعي مستقبل القبلة ويرفع يديه.

لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ربكم حي كريم ليستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا» . أو أن يمسح بهما وجهه بعد الدعاء، لما روي عن عمر قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه وأن لا يرفع بصره إلى السماء لقوله صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء، أو ليخطفن الله أبصارهم» وأن يخفض الداعي صوته بالدعاء لقوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً

«٤» . وعن أبي عبد الرحمن الهمداني قال:

صليت مع أبي إسحاق الغداة فسمع رجلا يجهر في الدعاء

<<  <   >  >>