للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السوء «١» ، قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: وهل ينفع في الدنيا؟ قالوا: نعم. قال:

وكذلك في الآخرة.

ومن وصية علي رضي الله عنه لأبي ذر: زر القبور تذكر بها الآخرة، ولا تزرها بالليل واغسل الموتى يتحرك قلبك، وصلّ على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله تعالى.

ويقال: جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك.

ونظر فيلسوف إلى ميت يحمل إلى قبره فقال: حبيب تحمله أهله إلى حبس الأبد.

ودخل عمرو بن العاص رضي الله عنه على معاوية في مرضة مرضها، فقال له: أعائد أنت أم شامت؟ فقال له عمرو: ولم تقول هذا، والله ما كلفتني رهقا ولا أصدعتني زلقا ولا جرعتني علقا، فلم أستطل حياتك ولم استبطىء وفاتك. فأنشد معاوية يقول:

فهل من خالدين إذا هلكنا ... وهل في الموت بين الناس عار

ولما مرض معاوية رضي الله عنه مرضه الذي مات فيه، وفد إليه الناس يعودونه فقال لأهله: مهدوا لي فراشا وأسندوني وأوسعوا رأسي دهانا ثم اكحلوا عيني بالإثمد ثم ائذنوا للناس يدخلوا ويسلموا علي قياما ولا تجلسوا عندي أحدا، ففعلوا ذلك، فلما خرجوا من عنده أنشد يقول:

وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع «٢»

وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع «٣»

وقيل لما دنا منه الموت تمثل بهذا البيت:

هو الموت لا منجى من الموت والذي ... نحاذر بعد الموت أدهى وأقطع

ثم قال: رفع يديه وقال: اللهم أقل العثرة واعف عن الزلة وعد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا يثق إلا بك، فإنك واسع المغفرة وليس لذي خطيئة منك مهرب. ومات رحمه الله تعالى.

وذكر أبو العباس الشيباني قال: وفد على أبو دلف عشرة من أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في العلة التي مات فيها فأقاموا ببابه شهرا لا يؤذن لهم لشدة العلة التي أصيب بها، ثم أفاق فقال لخادمه بشر: إن قلبي يحدثني أن بالباب قوما لهم إلينا حوائج فافتح الباب ولا تمنعن أحدا، قال: فكان أول من دخل آل علي رضي الله عنه فسلموا عليه ثم ابتدأ الكلام رجل منهم من ولد جعفر الطيار فقال: أصلحك الله أنا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا من ولده وقد حطمتنا المصائب وأجحفت بنا النوائب، فإن رأيت أن تجبر كسيرا وتغني فقيرا لا يملك قطميرا فافعل. فقال لخادمه خذ بيدي وأجلسني، ثم أقبل معتذرا إليهم ودعا بدواة وقرطاس وقال: ليكتب كل منكم بيده أنه قبض مني ألف دينار، قالوا: فبقينا والله متحيرين فلما أن كتبنا الرقاع ووضعناها بين يديه قال لخادمه: علي بالمال. فوزن لكل واحد منا ألف دينار ثم قال لخادمه:

يا بشر إذا أنا مت فأدرج هذه الرقاع في كفني، فإذا لقيت محمدا صلى الله عليه وسلم في القيامة كانت حجة لي أني قد أغنيت عشرة من ولده ثم قال: يا غلام ادفع لكل واحد منهم ألف درهم ينفقها في طريقه حتى لا ينفق من الألف دينار شيئا حتى يصل إلى موضعه، قال: فأخذناها ودعونا له وانصرفنا ثم مات رحمه الله.

وقيل: لما دفن عمر بن عبد العزيز نزل عند دفنه مطر من السماء، فوجدوا بردة «٤» مكتوبا فيها بالنور (بسم الله الرحمن الرحيم أمان لعمر بن عبد العزيز من النار) .

وقيل لأعرابي: إنك تموت، قال: وإلى أين أذهب؟

قالوا: إلى الله تعالى، فقال: لا أكره أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه. وبكى الخولاني عند موته فقيل له:

ما يبكيك؟ قال: أبكي لطول السفر وقلة الزاد، وقد سلكت عقبة ولا أدري إلى أين أهبط وإلى أي مكان أسقط.

ودخل ملك الموت على داود عليه السلام فقال له: من أنت؟ قال: أنا الذي لا يهاب الملوك ولا تمنع منه القصور ولا يقبل الرشا، فقال: إذا أنت ملك الموت، وإني لم أستعد بعد، فقال له: يا داود أين فلان جارك أي فلان قريبك؟ قال: ماتا، قال: أما كان لك في موت هؤلاء عبرة لتستعد بها، ثم قبضه عليه السلام.

وفي الخبر من حديث حميد الطويل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة تكتنف العبد وتحتبسه

<<  <   >  >>