للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» . ومن الناس من يتلون ألوانا ويكون بوجهين ولسانين، فيأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها.

قال صالح بن عبد القدوس رحمه الله تعالى:

قل للذي لست أدري من تلوّنه ... أناصح أم على غش يناجيني

إني لأكثر مما سمتني عجبا ... يدّ تشحّ وأخرى منك تأسوني

تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكلّ عنك يأتيني

هذان شيئان قد نافيت بينهما ... فاكفف لسانك عن شتمي وتزييني

وقيل: «لإلف «١» لحوح جموح خير من واحد متلون» .

وكان يشبه المتلون بأبي براقش، وأبي قلمون، فأبو براقش طائر منقط بألوان النقوش يتلون في اليوم ألوانا وأبو قلمون ضرب من ثياب الحرير ينسج بالروم يتلون ألوانا. ويقال للطائش الذي لا ثبات معه أبو رياح، تشبيها بمثال فارس من نحاس بمدينة حمص على عمود حديد فوق قبة بباب الجامع يدور مع الريح ويمناه ممدودة وأصابعها مضمومة إلا السبابة، فإذا أشكل عليهم مهب الريح عرفوه به، فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه، والذي يعمله الصبيان من قرطاس على قصبة، يسمى أبا رياح، أيضا، ويقال:

أخلاق الملوك مثل في المتلون.

قال بعضهم:

ويوم كأخلاق الملوك تلونا ... فصحو وتغييم وطلّ ووابل «٢»

أشبهه إياك من صفاته ... دنوّ وإعراض ومنع ونائل

وكلم معاوية الأحنف في شيء بلغه عنه، فأنكره الأحنف، فقال له معاوية: بلّغني عنك الثقة، فقال له الأحنف: إن الثقة لا يبلغ مكروها.

وكان الفضل بن سهل يبغض السعاية «٣» ، وإذا أتاه ساع يقول له: «إن صدقتنا أبغضناك، وإن كذبتنا عاقبناك، وإن استقلتنا أقلناك» .

وكتب في جواب كتاب ساع: «نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية لأن السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دل على شيء وأخبر به كمن قبله وأجازه، فاتقوا الساعي فإنه لو كان في سعايته صادقا لكان في صدقه لئيما إذ لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة.

وقيل: من سعى بالنميمة حذره الغريب ومقته القريب.

وقال المأمون: النميمة لا تقرب مودة إلا أفسدتها، ولا عداوة إلا جددتها، ولا جماعة إلا بددتها، ثم لا بد لمن عرف بها ونسب إليها، أن يجتنب ويخاف من معرفته ولا يوثق بمكانه.

وأنشد بعضهم:

من نمّ في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه

كالسّيل بالليل لا يدري به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه

الويل للعهد منه كيف ينقضه ... والويل للودّ منه كيف يفنيه

وقال آخر:

يسعى عليك كما يسعى إليك فلا ... تأمن غوائل ذي وجهين كيّاد

وقال صالح بن عبد القدوس رحمه الله تعالى:

من يخبّرك بشتم عن أخ ... فهو الشاتم لا من شتمك

ذاك شيء لم يواجهك به ... إنما اللوم على من أعلمك

وقال آخر:

إن يعلموا الخير أخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا

وقال آخر:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... منّي وما سمعوا من صالح دفنوا «٤»

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا «٥»

<<  <   >  >>