للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتبين من سيرة ابْن هِشَام، وَمَا اقتطفه الطَّبَرِيّ وَغَيره من سيرة ابْن إِسْحَاق أَنَّهَا كَانَت أصلا مقسمة إِلَى ثَلَاثَة أَجزَاء: المبتدإ، والمبعث، والمغازي. أما الْمُبْتَدَأ فَيتَنَاوَل التَّارِيخ الجاهلي، وينقسم إِلَى أَرْبَعَة فُصُول: يتَنَاوَل أَولهَا تَارِيخ الرسالات السَّابِقَة على الْإِسْلَام، وَثَانِيها تَارِيخ الْيمن فِي الْجَاهِلِيَّة، وَثَالِثهَا تَارِيخ الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة وعباداتها، وَالرَّابِع تَارِيخ مَكَّة وأجداد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلَا يعْنى ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا الْجُزْء بأسانيد أخباره إِلَّا نَادرا، ويستقى من الأساطير والإسرائيليات.

أما المبعث، فَيشْمَل حَيَاة النبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مَكَّة وَالْهجْرَة. ونرى الْمُؤلف فِيهِ يصدر الْأَخْبَار الفردية بموجز حاولها، ويدوّن مجموعات كَامِلَة من القوائم فقائمة لمن أسلم من الصَّحَابَة بدعوة أَبى بكر، وَأُخْرَى بالمهاجرين إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وثالثة لمن عَاد من أَرض الْحَبَشَة لمّا بَلغهُمْ إِسْلَام أهل مَكَّة، وَغَيرهَا. ويعنى بالترتيب الزمنى للحوادث، كَمَا تزداد عنايته بأسانيد الْأَخْبَار.

وَأما الْمَغَازِي، فتتناول حَيَاة النبيّ فِي الْمَدِينَة، وأجرى فِيهَا على أَن يبْدَأ الْخَبَر بموجز حاد لمحتوياته ثمَّ يتبعهُ بِخَبَر من جَمِيع الْأَقْوَال الَّتِي أَخذهَا من رُوَاته ثمَّ يكمله بِمَا جمعه هُوَ نَفسه من المصادر الْمُخْتَلفَة. وتكثر القوائم أَيْضا، من الْغَزَوَات الْمُخْتَلفَة.

ويلتزم إِيرَاد الْأَسَانِيد، وَالتَّرْتِيب الزمنى.

(أثر ابْن هِشَام فِي سيرة ابْن إِسْحَاق) :

ثمَّ قيّض الله لهَذَا المجهود- مجهود ابْن إِسْحَاق- رجلا لَهُ شَأْنه، هُوَ ابْن هِشَام، المعافريّ فَجمع هَذِه السِّيرَة ودوّنها، وَكَانَ لَهُ فِيهَا قلم لم يَنْقَطِع عَن تعقّب ابْن إِسْحَاق الْكثير مِمَّا أورد بالتحرير، والاختصار، والنقد أَو بِذكر رِوَايَة أُخْرَى فَاتَ ابْن إِسْحَاق ذكرهَا، هَذَا إِلَى تَكْمِلَة أضافها، وأخبار أَتَى بهَا. وَفِي هَذِه الْعبارَة الَّتِي صدّر بهَا ابْن هِشَام كتاب السِّيرَة مَا يكْشف لَك عَن دستور ابْن هِشَام ونهجه، قَالَ:

«وَأَنا إِن شَاءَ الله مبتدئ هَذَا الْكتاب بِذكر إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، وَمن ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَلَده، وَأَوْلَادهمْ لأصلابهم، الأوّل فالأوّل، من إِسْمَاعِيل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَمَا يعرض من حَدِيثهمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>