للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَرِيعًا، حَتَّى نَزَلَ عَلَى غُرَانَ، وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي لِحْيَانٍ، وَغُرَانُ وَادٍ بَيْنَ أَمَجَّ وَعُسْفَانَ، إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ: سَايَةُ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَتَمَنَّعُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ. فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْطَأَهُ مِنْ غِرَّتِهِمْ مَا أَرَادَ، قَالَ: لَوْ أَنَّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا مَكَّةَ، فَخرج فِي مِائَتي رَاكِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ عُسْفَانَ، ثُمَّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ [١] ، ثُمَّ كَرَّ وَرَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلًا [٢] .

(مَقَالَةُ الرَّسُولِ فِي رُجُوعِهِ) :

فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ وَجه رَاجعا: آئبون تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، أَعُوذُ باللَّه مِنْ وَعْثَاءِ [٣] السَّفَرِ، وَكَآبَةِ [٤] الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ.

(شِعْرُ كَعْبٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ) :

وَالْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ:

لَوْ أَنَّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا تَنَاظَرُوا ... لَقُوا عُصَبًا فِي دَارِهِمْ ذَاتَ مَصْدَقِ [٥]

لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السَّرْبَ رَوْعُهُ ... أَمَامَ طَحُونٍ كَالْمَجَرَّةِ فَيْلَقِ [٦]


[١] كرَاع الغميم: مَوضِع بِنَاحِيَة الْحجاز بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَهُوَ وَاد أَمَام عسفان بِثمَانِيَة أَمْيَال.
(عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
[٢] وَذكر ابْن سعد أَنه حِين نزل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسفان بعث أَبَا بكر مَعَ عشرَة فوارس لتسمع بهم قُرَيْش فيذعرهم، فَأتوا كرَاع الغميم وَلم يلْقوا كيدا. قَالَ الزرقانى: «وَيُمكن الْجمع بِأَنَّهُ بعثهما ثمَّ بعث أَبَا بكر فِي الْعشْرَة، أَو عَكسه» .
[٣] وعثاء السّفر: مشقته وشدته.
[٤] الكآبة: الْحزن.
[٥] تنَاظرُوا: انتظروا. والعصب: الْجَمَاعَات
[٦] السرعان: أول الْقَوْم. والسرب (بِفَتْح السِّين) : الطَّرِيق. والسرب (بِكَسْر السِّين) : النَّفس وكلا الْمَعْنيين مُحْتَمل. والروع: الْفَزع. والطحون: الكتيبة تطحن كل مَا تمر بِهِ. والمجرة: نُجُوم كَثِيرَة يخْتَلط ضوءها فِي السَّمَاء، وَالْفَيْلَق: الكتيبة الشَّدِيدَة.