للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(سَبَبُ الْهَرْوَلَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَفُّوا لَهُ عِنْدَ دَارِ النَّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ اضْطَبَعَ [١] بِرِدَائِهِ، وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَرَاهُمْ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً، ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، وَخَرَجَ يُهَرْوِلُ [٢] وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، مَشَى حَتَّى يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ، ثُمَّ هَرْوَلَ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى سَائِرَهَا. فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ، حَتَّى إذَا حَجَّ حَجَّةَ [٣] الْوَدَاعِ فَلَزِمَهَا، فَمَضَتْ السَّنَّةُ بِهَا.

(ارْتِجَازُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهُوَ يَقُودُ نَاقَةَ الرَّسُولِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ، [٤] نَاقَتِهِ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... خَلُّوا فَكُلُّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ

يَا رَبِّ إنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ [٥] ... أَعْرِفُ حَقَّ اللَّهِ فِي قَبُولِهِ

نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ [٦]

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «

نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ

» إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ، لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ [٧] ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ إنَّمَا أَرَادَ الْمُشْرِكِينَ،


[١] اضطبع بردائه: أَدخل بعضه تَحت عضده الْيُمْنَى، وَجعل طرفه على مَنْكِبه الْأَيْسَر.
[٢] الهرولة: فَوق الْمَشْي وَدون الجرى.
[٣] حجَّة: للمرة الْوَاحِد، وَهُوَ شَاذ لِأَن الْقيَاس بِالْفَتْح (الْقَامُوس الْمُحِيط) .
[٤] الخطام: الّذي تقاد بِهِ النَّاقة.
[٥] قيله: قَوْله.
[٦] أَي نَحن نقاتلكم على تَأْوِيله، كَمَا قتلناكم على إِنْكَار تَنْزِيله.
[٧] أَي يَوْم صفّين، يَوْم قتل عمار بن يَاسر.