للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى الطَّرِيقِ مُقْبِلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ وَاَللَّهِ أَبُو خَيْثَمَةَ. فَلَمَّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْلَى لَكَ [١] يَا أَبَا خَيْثَمَةَ. ثُمَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا [٢] ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ:

لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ فِي الدِّينِ نَافَقُوا ... أَتَيْتُ الَّتِي كَانَتْ أَعَفَّ وَأَكْرَمَا

وَبَايَعْتُ بِالْيُمْنَى يَدِي لِمُحَمَّدٍ ... فَلَمْ أَكْتَسِبْ إثْمًا وَلَمْ أَغْشَ مَحْرَمًا

تَرَكْتُ خَضِيبًا فِي الْعَرِيشِ وَصِرْمَةً ... صفايا كِرَامًا بُسْرُهَا قَدْ تَحَمَّمَا [٣]

وَكُنْتُ إذَا شَكَّ الْمُنَافِقُ أَسْمَحَتْ ... إلَى الدِّينِ نَفْسِي شَطْرَهُ حَيْثُ يَمَّمَا [٤]

(النَّبِيُّ وَالْمُسْلِمُونَ بِالْحِجْرِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْحِجْرِ نَزَلَهَا، وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرِهَا. فَلَمَّا رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا، وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ إلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ.

فَفَعَلَ النَّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ، فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرِّيحُ، حَتَّى طَرَحَتْهُ بِجَبَلَيْ طيِّئ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ


[١] أولى لَك: كلمة فِيهَا معنى التهديد. وَهِي اسْم سمى بِهِ الْفِعْل، وَمَعْنَاهَا فِيمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
دَنَوْت من الهلكة.
[٢] هَذِه الْكَلِمَة: «شعرًا» سَاقِطَة فِي أ.
[٣] الخضيب: المخضوبة. والصرمة: جمَاعَة النّخل. وصفايا: كَثِيرَة الْحمل، وَأَصله فِي الْإِبِل، يُقَال: نَاقَة صفى، إِذا كَانَت غزيرة الدّرّ، وَجَمعهَا صفايا. والبسر: التَّمْر قبل أَن يطيب. وتحمما:
أَي أَخذ فِي الإرطاب فاسود.
[٤] أسمحت: انقادت. وشطره: نَحوه وقصده.