للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ: وَيْحَكَ! لَوْ رَجَعْتُ إلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ تَنْثَعِبُ [١] مَنْخِرَاهُ قَيْحًا وَدَمًا، فَمَصَصْتُ ذَلِكَ حَتَّى تُذْهِبِيهِ مَا أَدَّيْتُ حَقَّهُ.

إسْلَامُ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ

(إِسْلَامُهُ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو النَّافِرَةَ الْجُذَامِيُّ، ثُمَّ النُّفَاثِيُّ، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرُّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ مُعَانٍ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.

(حَبْسُ الرُّومِ لَهُ وَشِعْرُهُ فِي مَحْبَسِهِ) :

فَلَمَّا بَلَغَ الرُّومَ ذَلِكَ مِنْ إسْلَامِهِ، طَلَبُوهُ حَتَّى أَخَذُوهُ، فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ فِي مَحْبِسِهِ ذَلِكَ:

طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنَا أَصْحَابِي ... وَالرُّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ [٢]

صَدَّ الْخَيَّالُ وَسَاءَهُ مَا قَدْ رَأَى ... وَهَمَمْتُ أَنْ أُغْفِي وَقَدْ أَبْكَانِي [٣]

لَا تَكْحَلِنَّ الْعَيْنَ بَعْدِي إثْمِدًا ... سَلْمَى وَلَا تَدِيَنَّ لِلْإِتْيَانِ [٤]

وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَبَا كُبَيْشَةَ أَنَّنِي ... وَسْطَ الْأَعِزَّةِ لَا يُحَصْ لِسَانِي [٥]

فَلَئِنْ هَلَكْتُ لَتَفْقِدُنَّ أَخَاكُمْ ... وَلَئِنْ بَقِيتُ لَتَعْرِفُنَّ مَكَانِي

وَلَقَدْ جَمَعْتُ أَجَلَّ مَا جَمَعَ الْفَتَى ... مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَبَيَانِ

فَلَمَّا أَجَمَعَتْ الرُّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ عَفْرَاءُ [٦] بِفِلَسْطِينَ، قَالَ:


[١] تنثعب منخراه: تسيل.
[٢] الموهن: بعد سَاعَة من اللَّيْل. والقروان: جمع قرو (بِالْكَسْرِ) وَهُوَ حويض من خشب تسقى فِيهِ الدَّوَابّ، وتلغ فِيهِ الْكلاب.
[٣] أغفى: نَام نوما خَفِيفا.
[٤] الإثمد: ضرب من الْكحل.
[٥] لَا يحص: لَا يقطع.
[٦] فِي شرح الْمَوَاهِب للزرقانى: «عفراء» بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْفَاء وَألف بعْدهَا همزَة، فَيكون ممدودا وقصره فِي الشّعْر ضَرُورَة. وَفِي الْأُصُول: «عفرا» بِالْقصرِ.