للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، إذَا قِيلَ لَهَا إنَّهُ يَتِيمٌ، وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا كُنَّا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الصَّبِيِّ، فَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمٌ! وَمَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ وَجَدُّهُ! فَكُنَّا نَكْرَهُهُ لِذَلِكَ، فَمَا بَقِيَتْ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي، فَلَمَّا أَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْتُ لِصَاحِبِي: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا، وَاَللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، قَالَ: لَا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً. قَالَتْ [١] : فَذَهَبْتُ إلَيْهِ فَأَخَذْتُهُ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي [٢] أَقَبْلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ [٣] ، ثُمَّ نَامَا، وَمَا كُنَّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ. قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا: تَعَلَّمِي [٤] وَاَللَّهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْتُ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا وَرَكِبْتُ (أَنَا) [٥] أَتَانِي، وَحَمَلْتُهُ عَلَيْهَا معى، فو الله لَقَطَعَتْ بِالرَّكْبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا [٦]


[ () ] وَقد يكون ذَلِك مِنْهُم لينشأ الطِّفْل فِي الْأَعْرَاب، فَيكون أفْصح لِسَانا، وَأجْلَد لجسمه وأجدر أَلا يُفَارق الْهَيْئَة المعدية، كَمَا قَالَ عمر رضى الله عَنهُ: تمعددوا تمعززوا وَاخْشَوْشنُوا. وَلَقَد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأبى بكر رضى الله عَنهُ حِين قَالَ لَهُ: مَا رَأَيْت أفْصح مِنْك يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَأَنا من قُرَيْش وأرضعت فِي بنى سعد. فَهَذَا وَنَحْوه كَانَ يحملهم على دفع الرضعاء إِلَى المرضعات الأعرابيات. وَقد ذكر أَن عبد الْملك بن مَرْوَان كَانَ يَقُول: أضربنا حب الْوَلِيد. لِأَن الْوَلِيد كَانَ لحانا وَكَانَ سُلَيْمَان فصيحا، لِأَن الْوَلِيد أَقَامَ مَعَ أمه، وَسليمَان وَغَيره من إخْوَته سكنوا الْبَادِيَة فتعربوا، ثمَّ أدبوا فتأدبوا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح الْمَوَاهِب) .
[١] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ» وَلَعَلَّ تذكير الْفِعْل على معنى الشَّخْص.
[٢] وَيُقَال: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يقبل إِلَّا على ثدي وَاحِد، وَكَانَ يعرض عَلَيْهِ الثدي الآخر فيأباه، كَأَنَّهُ قد أشعر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن مَعَه شَرِيكا فِي أَلْبَانهَا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف)
[٣] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. وَفِي أوالروض الْأنف: «رويا» .
[٤] كَذَا فِي الْأُصُول. يُرِيد: اعلمي. وَفِي الطَّبَرِيّ: «أتعلمين ... إِلَخ» .
[٥] زِيَادَة عَن أ.
[٦] فِي: أ «على» .