للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ طَافَ مِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا مِنْ الْحِلِّ أَلْقَاهَا، فَلَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ.

فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَذْكُرُ شَيْئًا تَرَكَهُ مِنْ ثِيَابِهِ فَلَا يَقْرَبُهُ، وَهُوَ يحبّه [١] :

كفى جزنا كَرَّى عَلَيْهَا كَأَنَّهَا [٢] ... لَقًى بَيْنَ أَيْدِي الطَّائِفِينَ حَرِيمُ

[٣] يَقُولُ: لَا تُمَسُّ.

(حُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الطَّوَافِ، وَإِبْطَالُ عَادَاتِ الْحُمْسِ فِيهِ) :

فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ حَيْنَ أَحْكَمَ لَهُ دِينَهُ، وَشَرَعَ لَهُ سُنَنَ حَجِّهِ: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ٢: ١٩٩ يَعْنِي قُرَيْشًا. وَالنَّاسُ: الْعَرَبُ.

فَرَفَعَهُمْ فِي سُنَّةِ الْحَجِّ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا.

وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيمَا كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى النَّاسِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلَبُوسِهِمْ عِنْدَ الْبَيْتِ، حَيْنَ طَافُوا عُرَاةً، وَحَرَّمُوا مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الْحِلِّ مِنْ الطَّعَامِ: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ. قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [٤] ٧: ٣١- ٣٢. فَوَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ الْحُمْسِ، وَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ ابْتَدَعَتْ مِنْهُ عَلَى [٥] النَّاسِ بِالْإِسْلَامِ، حَيْنَ بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ،


[١] وَمن اللقى حَدِيث فَاخِتَة أم حَكِيم بن حزَام، وَكَانَت دخلت الْكَعْبَة، وَهِي حَامِل تمّ بِحَكِيم بن حزَام، فأجاءها الْمَخَاض، فَلم تستطع الْخُرُوج من الْكَعْبَة، فَوَضَعته فِيهَا، فلفت فِي الأقطاع هِيَ وجنينها، وَطرح مثبرها وثيابها الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا، فَجعلت لَقِي لَا تقرب. والمثبر، بِفَتْح الْمِيم: مسْقط الْوَلَد.
[٢] فِي أ: ... عَلَيْهِ كَأَنَّهُ.
[٣] حَرِيم: محرم، لَا يُؤْخَذ وَلَا ينْتَفع بِهِ.
[٤] المُرَاد بالزينة فِي الْآيَة اللبَاس وَعدم التعري. وَقَوله تَعَالَى: كُلُوا وَاشْرَبُوا ٢: ٦٠. إِشَارَة إِلَى مَا كَانَت الحمس حرمته من طَعَام الْحَج إِلَى طَعَام أحمسى.
[٥] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَن» .