للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَلْ كُنْتَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَقَدْ خِلْتَ [١] فِيَّ، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرٍ مَا أَرَاكَ قُلْتَهُ لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ مُنْذُ وُلِّيتَ مَا وُلِّيتَ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهمّ غُفْرًا [٢] ، قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى شَرٍّ مِنْ هَذَا، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ الْأَوْثَانَ، حَتَّى أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ كُنْتُ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَأَخْبرنِي مَا جَاءَكَ بِهِ صَاحِبُكَ، قَالَ: جَاءَنِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ [٣] ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إلَى الْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا [٤] ، وَإِيَاسِهَا [٥] مِنْ دِينِهَا، وَلُحُوقِهَا بِالْقِلَاصِ [٦] وَأَحْلَاسِهَا [٧] .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ سَجْعٌ، وَلَيْسَ بِشِعْرٍ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَ ذَلِكَ يُحَدِّثُ النَّاسَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبَحَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ عِجْلًا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَهُ لِيَقْسِمَ لَنَا مِنْهُ، إذْ سَمِعْتُ مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ صَوْتًا


[١] هُوَ من بَاب حذف الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد خلت وظننت، كَقَوْلِهِم فِي الْمثل: من يسمع يخل.
وَلَا يجوز حذف أحد المفعولين مَعَ بَقَاء الآخر، لِأَن حكمهَا حكم الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، فَإِذا حذفت الْجُمْلَة كلهَا جَازَ لِأَن حكمهمَا حكم الْمَفْعُول، وَالْمَفْعُول قد يجوز حذفه، وَلَكِن لَا بُد من قرينَة تدل على المُرَاد.
فَفِي قَوْلهم: من يسمع يخل، دَلِيل يدل على الْمَفْعُول، وَهُوَ يسمع. وَفِي قَوْله: «خلت فِي» . دَلِيل أَيْضا، وَهُوَ قَوْله «فِي» .
[٢] غفرا: كلمة تَقُولهَا الْعَرَب إِذا أَخطَأ الرجل على الرجل. وَمَعْنَاهَا: اللَّهمّ اغْفِر لي غفرا. وَيُقَال إِن عمر مازحه. فَقَالَ: مَا فعلت كهانتك يَا سَواد؟ فَغَضب وَقَالَ: قد كنت أَنا وَأَنت على شَرّ من هَذَا من عبَادَة الْأَصْنَام، وَأكل الميتات، أفتعيرنا بِأَمْر تبت مِنْهُ؟ فَقَالَ عمر حينذاك: اللَّهمّ غفرا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
وَلَقَد سَاق السهيليّ قصَّة سَواد مَعَ عمر عَن غير ابْن إِسْحَاق فِي سِيَاقَة حَسَنَة، وَزِيَادَة مفيدة رَأينَا أَن نجتزئ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا إِذْ يمنعنا طولهَا من إِثْبَاتهَا.
[٣] شيعه: دونه بِقَلِيل.
[٤] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري، وأبلس الرجل: إِذا سكت ذليلا أَو مَغْلُوبًا. وَفِي أ:
«وإسلامها» . وَالْإِسْلَام: الانقياد.
[٥] الْإِيَاس: الْيَأْس.
[٦] القلاص من الْإِبِل: الْفتية.
[٧] الأحلاس: جمع حلْس، وَهُوَ كسَاء من جلد يوضع على ظهر الْبَعِير، ثمَّ يوضع عَلَيْهِ الرحل، ليقيه من الدبر.