للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ [١] الْأَسْوَدِ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَقَدْ غَدَتْ قُرَيْشٌ فَجَلَسُوا فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ مَا أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى إذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ [٢] مَرْعُوبًا قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ، حَتَّى قَذَفَ الْحَجَرَ مِنْ يَدِهِ، وَقَامَتْ إلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ:

مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: قُمْتُ إلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمْ الْبَارِحَةَ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنْ الْإِبِلِ، لَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتهِ، وَلَا مِثْلَ قَصَرَتِهِ [٣] وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، فَهَمَّ بِي أَنْ يَأْكُلَنِي [٤] .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَوْ دَنَا لَأَخَذَهُ.

(نَصِيحَةُ النَّضْرِ لِقُرَيْشِ بِالتَّدَبُّرِ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :

فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ، قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّهُ وَاَللَّهِ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا أَتَيْتُمْ لَهُ بِحِيلَةِ بَعْدُ، قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، حَتَّى إذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، قُلْتُمْ


[١] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... بَين الرُّكْنَيْنِ البراني وَالْأسود» . وَقد عرض ابْن بطوطة فِي رحلته فِي الْجُزْء الأول (ص ٣١٥ طبع أوربا) للْكَلَام على الْأَركان فَقَالَ: «وَمن عِنْد الْحجر الْأسود مُبْتَدأ الطّواف، وَهُوَ أول الْأَركان الَّتِي يلقاها الطَّائِف، فَإِذا استلمه تقهقر عَنهُ قَلِيلا، وَجعل الْكَعْبَة الشَّرِيفَة عَن يسَاره وَمضى فِي طَوَافه، ثمَّ بعده الرُّكْن الْعِرَاقِيّ وَهُوَ إِلَى جِهَة الشمَال، ثمَّ ألْقى الرُّكْن الشَّامي وَهُوَ إِلَى جِهَة الغرب، ثمَّ يلقى الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهُوَ إِلَى جِهَة الْمغرب، ثمَّ يعود إِلَى الْحجر الْأسود وَهُوَ إِلَى جِهَة الشرق» .
[٢] منتقع: متغير.
[٣] القصرة: أصل الْعُنُق.
[٤] وروى هَذَا الحَدِيث النَّسَائِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبى هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ أَبُو جهل، وَذكر الحَدِيث « ... فَقَالُوا مَا لَك؟ فَقَالَ: إِن بيني وَبَينه لَخَنْدَقًا من نَار وَهولا وَأَجْنِحَة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَو دنا لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَة عضوا عضوا» . (رَاجع الرَّوْض) .