للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَيِّدَتُهُمَا بِطَحِينٍ لَهَا، وَهِيَ تَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أُعْتِقُكُمَا أَبَدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حِلِّ [١] يَا أُمَّ فُلَانٍ، فَقَالَتْ: حِلَّ، أَنْتَ أَفْسَدْتَهُمَا فَأَعْتِقْهُمَا، قَالَ:

فَبِكَمْ هُمَا؟ قَالَتْ: بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُمَا وَهُمَا حُرَّتَانِ، أَرْجِعَا إلَيْهَا طَحِينَهَا، قَالَتَا: أَوَنَفْرُغُ مِنْهُ يَا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ نَرُدُّهُ إلَيْهَا؟ قَالَ: وَذَلِكَ إنْ شِئْتُمَا.

وَمَرَّ بِجَارِيَةِ بَنِي مُؤَمِّلٍ، حَيٌّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعَذِّبُهَا لِتَتْرُكَ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَضْرِبُهَا، حَتَّى إذَا مَلَّ قَالَ: إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ، إِنِّي لم أتركك إلَّا مَلَالَةً، فَتَقُولُ: كَذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ. فَابْتَاعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْتَقَهَا.

(لَامَ أَبُو قُحَافَةَ ابْنَهُ لِعِتْقِهِ مِنْ أَعْتَقَ فَرَدَّ عَلَيْهِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَامِرِ [٢] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ:

قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا بُنَيَّ، إنِّي أَرَاكَ تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنَّكَ إذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ دُونَكَ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَبَتْ، إنِّي إنَّمَا أُرِيدُ مَا أُرِيدُ [٣] ، للَّه (عَزَّ وَجَلَّ) [٤] .

قَالَ: فَيُتَحَدَّثُ أَنَّهُ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إلَّا فِيهِ، وَفِيمَا قَالَ لَهُ أَبُوهُ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ٩٢: ٥- ٦ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى ٩٢: ١٩- ٢١.

(تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لَابْنِ يَاسِرٍ، وَتَصْبِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بِعَمَّارِ [٥] بْنِ يَاسِرٍ، وَبِأَبِيهِ


[١] حل: يُرِيد: تحللى من يَمِينك وَاسْتثنى فِيهَا، وَأكْثر مَا تَقوله الْعَرَب بِالنّصب.
[٢] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَا أُرِيد يعْنى للَّه» . وَلَا معنى لهَذِهِ الزِّيَادَة.
[٣] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَبى عَامر» . وَهُوَ تَحْرِيف: (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) .
[٤] زِيَادَة عَن أ.
[٥] روى أَن عمارا قَالَ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد بلغ منا الْعَذَاب كل مبلغ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صبرا أَبَا الْيَقظَان، ثمَّ قَالَ: اللَّهمّ لَا تعذب أحدا من آل عمار بالنَّار. وعمار وَالْحُوَيْرِث وعبود بَنو يَاسر. وَمن ولد عمار عبد الله بن سعد، وَهُوَ الْمَقْتُول بالأندلس، قَتله عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة.