للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجُمَحِيُّ. قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَغَدَوْتُ أَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ، وَأَنَا غُلَامٌ أَعْقِلُ كُلَّ مَا رَأَيْتُ، حَتَّى جَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَعَلِمْتَ يَا جَمِيلُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ: وَدَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّد؟ قَالَ: فو الله مَا رَاجَعَهُ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَاتَّبَعَهُ عُمَرُ، وَاتَّبَعْتُ أَبِي، حَتَّى إذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:

يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ [١] ، أَلَا إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ.

قَالَ: (و) [٢] يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَثَارُوا إلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ. قَالَ: وَطَلِحَ [٣] ، فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ باللَّه أَنْ لَوْ قَدْ كُنَّا ثَلَاثَ ماِئَةِ رَجُلٍ (لَقَدْ) [٢] تَرَكْنَاهَا لَكُمْ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبْرَةٌ [٤] ، وَقَمِيصٌ مُوَشًّى، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟

قَالُوا: صَبَا عُمَرُ، فَقَالَ: فَمَهْ، رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟

أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ يُسْلِمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا! خَلُّوا عَنْ الرجل. قَالَ:

فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ:

يَا أَبَتْ، مَنْ الرَّجُلُ: الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ بِمَكَّةَ يَوْمَ أَسْلَمْتُ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَكَ؟

فَقَالَ: ذَاكَ، أَيْ بُنَيَّ، الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَتْ، مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ (بِمَكَّةَ) [٢] يَوْمَ أَسْلَمْتَ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَكَ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.


[ () ] وَهُوَ الْبَيْت الّذي تغني بِهِ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي منزله، وَاسْتَأْذَنَ عمر فَسَمعهُ وَهُوَ يتَغَنَّى وينشد بالركبانية:
(وَهُوَ غناء يحدى بِهِ الركاب) . فَلَمَّا دخل عمر قَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن: إِنَّا إِذا خلونا قُلْنَا مَا يَقُول النَّاس فِي بُيُوتهم، وَقد قلب الْمبرد هَذَا الحَدِيث، وَجعل المنشد عمر، والمستأذن عبد الرَّحْمَن، وَفِيمَا ذهب إِلَيْهِ الْمبرد بعد عَن الصَّوَاب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[١] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حول بَاب الْكَعْبَة» .
[٢] زِيَادَة عَن أ.
[٣] طلح: أعيا.
[٤] الْحبرَة: ضرب من برود الْيمن.